(1/89)
فبواسطة الهلال تعرف أوقات الصيام والحج كما قال تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهلة قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج } [ البقرة : 189 ] فلا بدّ من الاعتماد على الرؤية ، ويكفي لإثبات رمضان شهادة واحدٍ عدل عند الجمهور ، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : « تراءى الناس الهلال ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته ، فصام وأمر الناس بصيامه » وأما هلال شوال فيثبت بإكمال عدة رمضان ثلاثين يوماً ، ولا تقبل فيه شهادة العدل الواحد عند عامة الفقهاء .
وقال مالك : لا بدّ من شهادة رجلين عدلين ، لأنه شهادة وهو يشبه إثبات هلال شوال ، لا بدّ فيه من اثنين على الأقل .
قال الترمذي : والعمل عند أكثر أهل العلم على أنه تقبل شهادة واحدٍ في الصيام .
روى الدارقطني : أنّ رجلاً شهد عند علي بن أبي طالب على رؤية هلال رمضان فصام وأمر الناس أن يصوموا ، وقال : أصوم يوماً من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوماً من رمضان .
الحكم العاشر : هل يعتبر اختلاف المطالع في وجوب الصيام؟
ذهب الحنيفة والمالكية والحنابلة : إلى أنه لا عبرة باختلاف المطالع ، فإذا رأى الهلال أهل بلد وجب الصوم على بقية البلاد لقوله صلى الله عليه وسلم : « صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته » وهو خطاب عام لجميع الأمة ، فمن رآه منهم في أي مكان كان ذلك رؤية لهم جميعاً .
وذهب الشافعية إلى أنه يعتبر لأهل كل بلد رؤيتهم ، ولا تكفي رؤية البلد الآخر ، والأدلة تطلب من كتب الفروع فارجع إليها هناك .
الحكم الحادي عشر : حكم الخطأ في الإفطار .
اختلف العلماء فيمن أكل أو شرب ظاناً غروب الشمس ، أو تسحرّ يظن عدم طلوع الفجر ، فظهر خلاف ذلك ، هل عليه القضاء أم لا؟
فذهب الجمهور وهو مذهب ( الأئمة الأربعة ) إلى أنّ صيامه غير صحيح ويجب عليه القضاء ، لأن المطلوب من الصائم التثبت ، لقوله تعالى : { حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخيط الأبيض مِنَ الخيط الأسود } فأمر بإتمام الصيام إلى غروب الشمس ، فإذا ظهر خلافه وجب القضاء .
وذهب أهل الظاهر والحسن البصري إلى أن صومه صحيح ولا قضاء عليه لقوله تعالى : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ } [ الأحزاب : 5 ] وقوله صلى الله عليه وسلم : « رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » وقالوا : هو كالناسي لا يفسد صومه .
الترجيح : وما ذهب إليه الجمهور هو الصحيح لأن المقصود من رفع الجناح رفع الإثم لا رفع الحكم ، فلا كفارة عليه لعدم قصد الإفطار ، ولكن يلزمه القضاء للتقصير ، ألا ترى أن القتل الخطأ فيه الكفارة والدية مع أنه ليس بعمد ، وقياسه على الناسي غير سليم ، لأن الناسي قد ورد فيه النص الصريح فلا يقاس عليه والله أعلم .
وقال مالك : لا بدّ من شهادة رجلين عدلين ، لأنه شهادة وهو يشبه إثبات هلال شوال ، لا بدّ فيه من اثنين على الأقل .
قال الترمذي : والعمل عند أكثر أهل العلم على أنه تقبل شهادة واحدٍ في الصيام .
روى الدارقطني : أنّ رجلاً شهد عند علي بن أبي طالب على رؤية هلال رمضان فصام وأمر الناس أن يصوموا ، وقال : أصوم يوماً من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوماً من رمضان .
الحكم العاشر : هل يعتبر اختلاف المطالع في وجوب الصيام؟
ذهب الحنيفة والمالكية والحنابلة : إلى أنه لا عبرة باختلاف المطالع ، فإذا رأى الهلال أهل بلد وجب الصوم على بقية البلاد لقوله صلى الله عليه وسلم : « صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته » وهو خطاب عام لجميع الأمة ، فمن رآه منهم في أي مكان كان ذلك رؤية لهم جميعاً .
وذهب الشافعية إلى أنه يعتبر لأهل كل بلد رؤيتهم ، ولا تكفي رؤية البلد الآخر ، والأدلة تطلب من كتب الفروع فارجع إليها هناك .
الحكم الحادي عشر : حكم الخطأ في الإفطار .
اختلف العلماء فيمن أكل أو شرب ظاناً غروب الشمس ، أو تسحرّ يظن عدم طلوع الفجر ، فظهر خلاف ذلك ، هل عليه القضاء أم لا؟
فذهب الجمهور وهو مذهب ( الأئمة الأربعة ) إلى أنّ صيامه غير صحيح ويجب عليه القضاء ، لأن المطلوب من الصائم التثبت ، لقوله تعالى : { حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخيط الأبيض مِنَ الخيط الأسود } فأمر بإتمام الصيام إلى غروب الشمس ، فإذا ظهر خلافه وجب القضاء .
وذهب أهل الظاهر والحسن البصري إلى أن صومه صحيح ولا قضاء عليه لقوله تعالى : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ } [ الأحزاب : 5 ] وقوله صلى الله عليه وسلم : « رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » وقالوا : هو كالناسي لا يفسد صومه .
الترجيح : وما ذهب إليه الجمهور هو الصحيح لأن المقصود من رفع الجناح رفع الإثم لا رفع الحكم ، فلا كفارة عليه لعدم قصد الإفطار ، ولكن يلزمه القضاء للتقصير ، ألا ترى أن القتل الخطأ فيه الكفارة والدية مع أنه ليس بعمد ، وقياسه على الناسي غير سليم ، لأن الناسي قد ورد فيه النص الصريح فلا يقاس عليه والله أعلم .
(1/90)
الحكم الثاني عشر : هل الجنابة تنافي الصوم؟
دلت الآية الكريمة وهي { فالآن باشروهن وابتغوا مَا كَتَبَ الله لَكُمْ . . . } الآية على أن الجنابة لا تنافي صحة الصوم ، لما فيه من إباحة الأكل والشرب والجماع من أول الليل إلى آخره ، مع العلم أن المجامع في آخر الليل إذا صادف فراغه من الجماع طلوع الفجر يصبح جنباً ، وقد أمر الله بإتمام صومه إلى الليل { ثُمَّ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى الليل } فدلّ على صحة صومه ، ولو لم يكن الصوم صحيحاً لما أمره بإتمامه .
وفي « الصحيحين » عن عائشة رضي الله عنها : « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً وهو صائم ثمّ يغتسل » فالجنابة لا تأثير لها على الصوم ، ويجب الاغتسال من أجل الصلاة .
الحكم الثالث عشر : هل يجب قضاء صوم النفل إذا أفسده؟
اختلف الفقهاء في حكم صوم النفل إذا أفسده هل يجب فيه القضاء أم لا؟ على مذاهب .
مذهب الحنفية : يجب عليه القضاء لأنه بالشروع يلزمه الإتمام .
مذهب الشافعية والحنابلة : لا يجب عليه القضاء لأن المتطوّع أمير نفسه .
وذهب المالكية : أنه إن أبطله فعليه القضاء ، وإن كان طرأ عليه ما يفسده فلا قضاء عليه .
دليل الحنفية :
أ - قوله تعالى : { ثُمَّ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى الليل } قالوا : فهذه الآية عامة في كل صوم ، فكل صومٍ شرع فيه لزمه إتمامه .
ب - قوله تعالى : { وَلاَ تبطلوا أَعْمَالَكُمْ } [ محمد : 33 ] والنفل الذي شرع فيه عمل من الأعمال ، فإذا أبطله فقد ترك واجباً ، ولا تبرأ ذمته إلا بإعادته .
ج - حديث عائشة أنها قالت : « أصبحتُ أنا وحفصة صائمتين متطوعتين ، فأهدي إلينا طعام فأعجبنا فأفطرنا ، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم بدرتني حفصة فسألته - وهي ابنة أبيها - فقال عليه السلام : صوما يوماً مكانه » .
دليل الشافعية والحنابلة :
أ - قوله تعالى : { مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ } [ التوبة : 91 ] والمتطوّع محسن فليس عليه حرج في الإفطار .
ب - حديث « الصائم المتطوع أمير نفسه ، إن شاء صام وإن شاء أفطر » .
الترجيح : ولعلّ ما ذهب إليه الحنفية يكون أرجح لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة وحفصة بصيام يوم مكانه وهو نص في وجوب القضاء والله أعلم .
الحكم الرابع عشر : ما هو الاعتكاف وفي أي المساجد يعتكف؟
قال الشافعي رحمه الله : الاعتكاف اللغوي : ملازمةُ المرء للشيء وحبسُ نفسه عليه ، براً كان أو إثماً قال تعالى : { يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ } [ الأعراف : 138 ] .
والاعتكاف الشرعي : المكث في بيت الله بنيّة العبادة ، وهو من الشرائع القديمة قال الله تعالى : { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ والقآئمين } [ الحج : 26 ] وقال تعالى : { وَلاَ تباشروهن وَأَنْتُمْ عاكفون فِي المساجد } ويشترط في الاعتكاف أن يكون في المسجد لقوله تعالى : { وَأَنْتُمْ عاكفون فِي المساجد } وقد وقع الاختلاف في المسجد الذي يكون فيه الاعتكاف على أقوال :
دلت الآية الكريمة وهي { فالآن باشروهن وابتغوا مَا كَتَبَ الله لَكُمْ . . . } الآية على أن الجنابة لا تنافي صحة الصوم ، لما فيه من إباحة الأكل والشرب والجماع من أول الليل إلى آخره ، مع العلم أن المجامع في آخر الليل إذا صادف فراغه من الجماع طلوع الفجر يصبح جنباً ، وقد أمر الله بإتمام صومه إلى الليل { ثُمَّ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى الليل } فدلّ على صحة صومه ، ولو لم يكن الصوم صحيحاً لما أمره بإتمامه .
وفي « الصحيحين » عن عائشة رضي الله عنها : « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً وهو صائم ثمّ يغتسل » فالجنابة لا تأثير لها على الصوم ، ويجب الاغتسال من أجل الصلاة .
الحكم الثالث عشر : هل يجب قضاء صوم النفل إذا أفسده؟
اختلف الفقهاء في حكم صوم النفل إذا أفسده هل يجب فيه القضاء أم لا؟ على مذاهب .
مذهب الحنفية : يجب عليه القضاء لأنه بالشروع يلزمه الإتمام .
مذهب الشافعية والحنابلة : لا يجب عليه القضاء لأن المتطوّع أمير نفسه .
وذهب المالكية : أنه إن أبطله فعليه القضاء ، وإن كان طرأ عليه ما يفسده فلا قضاء عليه .
دليل الحنفية :
أ - قوله تعالى : { ثُمَّ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى الليل } قالوا : فهذه الآية عامة في كل صوم ، فكل صومٍ شرع فيه لزمه إتمامه .
ب - قوله تعالى : { وَلاَ تبطلوا أَعْمَالَكُمْ } [ محمد : 33 ] والنفل الذي شرع فيه عمل من الأعمال ، فإذا أبطله فقد ترك واجباً ، ولا تبرأ ذمته إلا بإعادته .
ج - حديث عائشة أنها قالت : « أصبحتُ أنا وحفصة صائمتين متطوعتين ، فأهدي إلينا طعام فأعجبنا فأفطرنا ، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم بدرتني حفصة فسألته - وهي ابنة أبيها - فقال عليه السلام : صوما يوماً مكانه » .
دليل الشافعية والحنابلة :
أ - قوله تعالى : { مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ } [ التوبة : 91 ] والمتطوّع محسن فليس عليه حرج في الإفطار .
ب - حديث « الصائم المتطوع أمير نفسه ، إن شاء صام وإن شاء أفطر » .
الترجيح : ولعلّ ما ذهب إليه الحنفية يكون أرجح لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة وحفصة بصيام يوم مكانه وهو نص في وجوب القضاء والله أعلم .
الحكم الرابع عشر : ما هو الاعتكاف وفي أي المساجد يعتكف؟
قال الشافعي رحمه الله : الاعتكاف اللغوي : ملازمةُ المرء للشيء وحبسُ نفسه عليه ، براً كان أو إثماً قال تعالى : { يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ } [ الأعراف : 138 ] .
والاعتكاف الشرعي : المكث في بيت الله بنيّة العبادة ، وهو من الشرائع القديمة قال الله تعالى : { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ والقآئمين } [ الحج : 26 ] وقال تعالى : { وَلاَ تباشروهن وَأَنْتُمْ عاكفون فِي المساجد } ويشترط في الاعتكاف أن يكون في المسجد لقوله تعالى : { وَأَنْتُمْ عاكفون فِي المساجد } وقد وقع الاختلاف في المسجد الذي يكون فيه الاعتكاف على أقوال :
(1/91)
أ - فقال بعضهم : الاعتكاف خاصٌ بالمساجد الثلاثة ( المسجد الحرام ، والمسجد النبوي ، والمسجد الأقصى ) وهي مساجد الأنبياء عليهم السلام ، واستدلوا بحديث : « لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد . . » الحديث وهذا قول سعيد بن المسيّب .
2 - وقال بعضهم : لا اعتكاف إلا في مسجد تجمع فيه الجماعة ، وهو قول ابن مسعود وبه أخذ الإمام مالك رحمه الله في أحد قوليه .
3 - وقال الجمهور : يجوز الاعتكاف في كل مسجد من المساجد لعموم قوله تعالى : { وَأَنْتُمْ عاكفون فِي المساجد } وهو الصحيح لأن الآية لم تعيّن مسجداً مخصوصاً فيبقى اللفظ على عمومه .
قال أبو بكر الجصاص : « حصل اتفاق جميع السلف أنّ من شرط الاعتكاف أن يكون في المسجد ، على اختلاف منهم في عموم المساجد وخصوصها ، وظاهر قوله تعالى : { وَأَنْتُمْ عاكفون فِي المساجد } يبيح الاعتكاف في سائر المساجد لعموم اللفظ ، ومن اقتصر به على بعضها فعليه بإقامة الدليل ، وتخصيصه بمساجد الجماعات لا دلالة عليه ، كما أن تخصيص من خصّه بمساجد الأنبياء لمّا لم يكن عليه دليل سقط اعتباره » .
وأما المرأة فيجوز لها أن تعتكف في بيتها لعدم دخولها في النص السابق :
الحكم الخامس عشر : ما هي مدة الاعتكاف وهل يشترط فيه الصيام؟
اختلف الفقهاء في المدة التي تلزم في الاعتكاف على أقوال :
أ - قلة يوم وليلة ، وهو مذهب الأحناف .
ب - أقله عشرة أيام ، وهو أحد قولي الإمام مالك .
ج - أقله لحظة ولا حدّ لأكثره وهو مذهب الشافعي .
ويجوز عند الشافعي وأحمد ( في أحد قوليه ) الاعتكاف بغير صوم .
وقال الجمهور ( أبو حنيفة ومالك وأحمد ) في القول الآخر : لا يصح الاعتكاف إلا بصوم . واحتجوا بما روته عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا اعتكاف إلا بصيام » .
وحديث « اعتكف وصم » وقالوا : إن الله ذكر الاعتكاف مع الصيام في قوله : { وَكُلُواْ واشربوا } إلى قوله : { وَأَنْتُمْ عاكفون فِي المساجد } فدل على أنه لا اعتكاف إلا بصيام .
قال الإمام الفخر : « يجوز الاعتكاف بغير صوم ، والأفضل أن يصوم معه وهو مذهب الشافعي ، وقال أبو حنيفة : لا يجوز إلا بالصوم .
حجةُ الشافعي رضي الله عنه هذه الآية ، لأنه بغير الصوم عاكف ، والله تعالى منع العاكف من مباشرة المرأة » .
أقول : المشهور عند فقهاء الأحناف أنهم قسموا الاعتكاف إلى ثلاثة أقسام :
1- مندوب : وهو يتحقق بمجرد النيّة ويكفي فيه ولو ساعة .
2 - وسنة وهو في العشر الأواخر في رمضان .
3 - وواجب : وهو المنذور ولا بدّ فيه من الصوم .
والأدلة بالتفصيل تطلب من كتب الفروع .
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
1 - الصيام شريعة الله لجميع الأمم فرضه الله على جميع المسلمين .
2 - وقال بعضهم : لا اعتكاف إلا في مسجد تجمع فيه الجماعة ، وهو قول ابن مسعود وبه أخذ الإمام مالك رحمه الله في أحد قوليه .
3 - وقال الجمهور : يجوز الاعتكاف في كل مسجد من المساجد لعموم قوله تعالى : { وَأَنْتُمْ عاكفون فِي المساجد } وهو الصحيح لأن الآية لم تعيّن مسجداً مخصوصاً فيبقى اللفظ على عمومه .
قال أبو بكر الجصاص : « حصل اتفاق جميع السلف أنّ من شرط الاعتكاف أن يكون في المسجد ، على اختلاف منهم في عموم المساجد وخصوصها ، وظاهر قوله تعالى : { وَأَنْتُمْ عاكفون فِي المساجد } يبيح الاعتكاف في سائر المساجد لعموم اللفظ ، ومن اقتصر به على بعضها فعليه بإقامة الدليل ، وتخصيصه بمساجد الجماعات لا دلالة عليه ، كما أن تخصيص من خصّه بمساجد الأنبياء لمّا لم يكن عليه دليل سقط اعتباره » .
وأما المرأة فيجوز لها أن تعتكف في بيتها لعدم دخولها في النص السابق :
الحكم الخامس عشر : ما هي مدة الاعتكاف وهل يشترط فيه الصيام؟
اختلف الفقهاء في المدة التي تلزم في الاعتكاف على أقوال :
أ - قلة يوم وليلة ، وهو مذهب الأحناف .
ب - أقله عشرة أيام ، وهو أحد قولي الإمام مالك .
ج - أقله لحظة ولا حدّ لأكثره وهو مذهب الشافعي .
ويجوز عند الشافعي وأحمد ( في أحد قوليه ) الاعتكاف بغير صوم .
وقال الجمهور ( أبو حنيفة ومالك وأحمد ) في القول الآخر : لا يصح الاعتكاف إلا بصوم . واحتجوا بما روته عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا اعتكاف إلا بصيام » .
وحديث « اعتكف وصم » وقالوا : إن الله ذكر الاعتكاف مع الصيام في قوله : { وَكُلُواْ واشربوا } إلى قوله : { وَأَنْتُمْ عاكفون فِي المساجد } فدل على أنه لا اعتكاف إلا بصيام .
قال الإمام الفخر : « يجوز الاعتكاف بغير صوم ، والأفضل أن يصوم معه وهو مذهب الشافعي ، وقال أبو حنيفة : لا يجوز إلا بالصوم .
حجةُ الشافعي رضي الله عنه هذه الآية ، لأنه بغير الصوم عاكف ، والله تعالى منع العاكف من مباشرة المرأة » .
أقول : المشهور عند فقهاء الأحناف أنهم قسموا الاعتكاف إلى ثلاثة أقسام :
1- مندوب : وهو يتحقق بمجرد النيّة ويكفي فيه ولو ساعة .
2 - وسنة وهو في العشر الأواخر في رمضان .
3 - وواجب : وهو المنذور ولا بدّ فيه من الصوم .
والأدلة بالتفصيل تطلب من كتب الفروع .
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
1 - الصيام شريعة الله لجميع الأمم فرضه الله على جميع المسلمين .
(1/92)
2 - الصوم مدرسة روحية لتهذيب النفس وتعويدها على الصبر .
3 - إختار الله شهر رمضان لفريضة الصيام لأنه شهر القرآن .
4 - أهل الأعذار رخص الله لهم في الإفطار رحمة من الله وتيسيراً .
5 - لا يجوز تعدي حدود الله ولا تجاوز أوامره ونواهيه لأنها الخير البشرية .
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
مما لا شك فيه أن الصوم له فوائد جليلة ، غفل عنها الجاهلون فرأوا فيه تجويعاً للنفس ، وإرهاقاً للجسد ، وكبتاً للحرية ، لا دايع له ولا مبرر ، لأنه تعذيب للبدن دون فائدة أو جدوى . . وعرف سرّ حكمته العقلاء والعلماء فأدركوا بعض فوائد وأسراره ، وأيّدهم في ذلك الأطباء ، فرأوا في الصيام أعظم علاج ، وخير وقاية ، وأنجح دواء لكثير من الأمراض الجسدية ، التي لا ينفع فيها إلا الحمية الكاملة ، والانقطاع عن الطعام والشراب مدة من الزمان . ولسنا الآن بصدد معرفة ( الفوائد الصحية ) للصيام ، فإنّ ذلك مرجعه لأهل الاختصاص من الأطباء ، ولكننا بصدد التعرف على بعض الحكم الروحية التي هي الأساس لتشريع الصيام - فإن الله عز وجل ما شرع العبادات إلا ليربي في الإنسان ( ملكة التقوى ) وليعوده على الخضوع ، والعبودية ، والإذعان لأوامر الله العلي القدير .
الأمر الأول : فالصيام عبودية لله ، وامتثال لأوامره ، واتقاء لحرماته ، ولهذا جاء في الحديث القدسي : « كل عمل آدم له إلا الصوم ، فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي » فشعور الإنسان بالعبودية لله عز وجل ، والاستسلام لأمره وحكمه ، وهو أسمى أهداف العبادة وأقصى غاياتها ، بل هو الأصل والأساس الذي ترتكز عليه حكمة خلق الإنسان { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العالمين } [ الأنعام : 71 ] .
الأمر الثاني : الأمر الثاني من حكمة مشروعية الصيام ، هي تربية النفس ، وتعويدها على الصبر وتحمل المشاق في سبيل الله ، فالصيام يربي قوة العزيمة وقوة الإرادة ، ويجعل الإنسان متحكماً في أهوائه ورغباته ، فلا يكون عبداً للجسد ، ولا أسيراً للشهوة ، وإنما يسير على هدي الشرع ، ونور البصيرة والعقل ، وشتّان بين إنسان تتحكّم فيه أهواؤه وشهواته فهو يعيش كالحيوان لبطنه وشهوته ، وبين إنسان يقهر هواه ويسيطر على شهوته ، فهو ملاك من الملائكة { وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام والنار مَثْوًى لَّهُمْ } [ محمد : 12 ] .
الأمر الثالث : أن الصوم يربي في الإنسان ، ملكة الحب والعطف والحنان ، ويجعل منه إنساناً رقيق القلب ، طيّب النفس ، ويحرّك فيه كامن الإيمان ، فليس الصيام حرماناً للإنسان عن الطعام والشراب ، بل هو تفجير للطاقة الروحية في نفس الإنسان ، ليشعر بشعور إخوانه ، ويُحسّ بإحساسهم ، فيمدّ إليهم يد المساعدة والعون ، ويمسح دموع البائسين ، ويزيل أحزان المنكوبين ، بما تجود به نفسه الخيّرة الكريمة التي هذّبها شهر الصيام ، ولقد قيل ليوسف الصدّيق عليه السلام : « لم تجوع وأنتَ على خزائن الأرض فقال : أخشى إن أنا شبعتُ أن أنسى الجائع » .
الأمر الرابع : أن الصوم يهذّب النفس البشرية ، بما يغرسه فيها من خوف الله جل وعلا ، ومراقبته في السر والعلن ، ويجعل المرء تقياً نقياً يبتعد عن كل ما حرّم الله ، فالسر في الصوم هو الحصول على ( مرتبة التقوى ) والله تبارك وتعالى حين ذكر الحكمة من مشروعية الصيام قال : { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } ولم يقل ( لعلكم تتألمون ) أو ( لعلكم تجوعون ) أو ( لعلكم تصحّون ) والتقوى هي ثمرة الصيام التي يجنيها الصائم من هذه العبادة ، وهي إعداد نفس الصائم للوقوف عند حدود الله ، بترك شهواته الطبيعية المباحة ، امتثالاً لأمره واحتساباً للأجر عنده ، وهذا هو سرّ الصيام وروحه ومقصده الأسمى ، الذي شرعه الله من أجله ، كما بينه في كتابه العزيز ، فللَّه ما أسمى الصيام ، وما أروع حكمة الله في شرعه العادل الحكيم!!
3 - إختار الله شهر رمضان لفريضة الصيام لأنه شهر القرآن .
4 - أهل الأعذار رخص الله لهم في الإفطار رحمة من الله وتيسيراً .
5 - لا يجوز تعدي حدود الله ولا تجاوز أوامره ونواهيه لأنها الخير البشرية .
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
مما لا شك فيه أن الصوم له فوائد جليلة ، غفل عنها الجاهلون فرأوا فيه تجويعاً للنفس ، وإرهاقاً للجسد ، وكبتاً للحرية ، لا دايع له ولا مبرر ، لأنه تعذيب للبدن دون فائدة أو جدوى . . وعرف سرّ حكمته العقلاء والعلماء فأدركوا بعض فوائد وأسراره ، وأيّدهم في ذلك الأطباء ، فرأوا في الصيام أعظم علاج ، وخير وقاية ، وأنجح دواء لكثير من الأمراض الجسدية ، التي لا ينفع فيها إلا الحمية الكاملة ، والانقطاع عن الطعام والشراب مدة من الزمان . ولسنا الآن بصدد معرفة ( الفوائد الصحية ) للصيام ، فإنّ ذلك مرجعه لأهل الاختصاص من الأطباء ، ولكننا بصدد التعرف على بعض الحكم الروحية التي هي الأساس لتشريع الصيام - فإن الله عز وجل ما شرع العبادات إلا ليربي في الإنسان ( ملكة التقوى ) وليعوده على الخضوع ، والعبودية ، والإذعان لأوامر الله العلي القدير .
الأمر الأول : فالصيام عبودية لله ، وامتثال لأوامره ، واتقاء لحرماته ، ولهذا جاء في الحديث القدسي : « كل عمل آدم له إلا الصوم ، فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي » فشعور الإنسان بالعبودية لله عز وجل ، والاستسلام لأمره وحكمه ، وهو أسمى أهداف العبادة وأقصى غاياتها ، بل هو الأصل والأساس الذي ترتكز عليه حكمة خلق الإنسان { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العالمين } [ الأنعام : 71 ] .
الأمر الثاني : الأمر الثاني من حكمة مشروعية الصيام ، هي تربية النفس ، وتعويدها على الصبر وتحمل المشاق في سبيل الله ، فالصيام يربي قوة العزيمة وقوة الإرادة ، ويجعل الإنسان متحكماً في أهوائه ورغباته ، فلا يكون عبداً للجسد ، ولا أسيراً للشهوة ، وإنما يسير على هدي الشرع ، ونور البصيرة والعقل ، وشتّان بين إنسان تتحكّم فيه أهواؤه وشهواته فهو يعيش كالحيوان لبطنه وشهوته ، وبين إنسان يقهر هواه ويسيطر على شهوته ، فهو ملاك من الملائكة { وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام والنار مَثْوًى لَّهُمْ } [ محمد : 12 ] .
الأمر الثالث : أن الصوم يربي في الإنسان ، ملكة الحب والعطف والحنان ، ويجعل منه إنساناً رقيق القلب ، طيّب النفس ، ويحرّك فيه كامن الإيمان ، فليس الصيام حرماناً للإنسان عن الطعام والشراب ، بل هو تفجير للطاقة الروحية في نفس الإنسان ، ليشعر بشعور إخوانه ، ويُحسّ بإحساسهم ، فيمدّ إليهم يد المساعدة والعون ، ويمسح دموع البائسين ، ويزيل أحزان المنكوبين ، بما تجود به نفسه الخيّرة الكريمة التي هذّبها شهر الصيام ، ولقد قيل ليوسف الصدّيق عليه السلام : « لم تجوع وأنتَ على خزائن الأرض فقال : أخشى إن أنا شبعتُ أن أنسى الجائع » .
الأمر الرابع : أن الصوم يهذّب النفس البشرية ، بما يغرسه فيها من خوف الله جل وعلا ، ومراقبته في السر والعلن ، ويجعل المرء تقياً نقياً يبتعد عن كل ما حرّم الله ، فالسر في الصوم هو الحصول على ( مرتبة التقوى ) والله تبارك وتعالى حين ذكر الحكمة من مشروعية الصيام قال : { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } ولم يقل ( لعلكم تتألمون ) أو ( لعلكم تجوعون ) أو ( لعلكم تصحّون ) والتقوى هي ثمرة الصيام التي يجنيها الصائم من هذه العبادة ، وهي إعداد نفس الصائم للوقوف عند حدود الله ، بترك شهواته الطبيعية المباحة ، امتثالاً لأمره واحتساباً للأجر عنده ، وهذا هو سرّ الصيام وروحه ومقصده الأسمى ، الذي شرعه الله من أجله ، كما بينه في كتابه العزيز ، فللَّه ما أسمى الصيام ، وما أروع حكمة الله في شرعه العادل الحكيم!!
(1/93)
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)
[ 9 ] مشروعية القتال في الإسلام
{ ثَقِفْتُمُوهُم } : الثّقْفُ : الأخذ ، والإدراك ، والظفر يقال : ثقفه وجده أو ظفر به .
قال في اللسان : ثَقِف الرجلَ : ظفر به قال تعالى : { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحرب } [ الأنفال : 57 ] ورجل ثقيف إذا كان محكماً لما يتناوله من الأمور .
قال الراغب : الثقفُ : الحِذقُ في إدراك الشيء وفعله ، ومنه استعير المثاقفة ويقال : ثقفتُ كذا إذا أدركته ببصرك لحذقٍ في النظر .
وفي « الكشاف » : الثقفُ وجودٌ على وجه الأخذ والغلبة ، ومنه رجلٌ ثقف ، سريع الأخذ لأقرانه ، قال الشاعر :
فإمّا تثقفوني فاقتلوني ... فمن أثقفْ فليس إلى خلود
والمعنى : اقتلوا الكفار حيث وجدتموهم وظفرتم بهم في حِلّ أو حرم .
{ والفتنة } : الفتنة : الابتلاء والاختبار ، وأصلها من الفتن وهو إدخالُ الذهب النارَ لتظهر جودته من رداءته .
قال الأزهري : جماع معنى الفتنة : الابتلاء والامتحان ، والاختبار ، مأخوذ من قولك : فتنتُ الفضة والذهب إذا أذبتهما بالنار لتميزّ الرديء من الجيد .
والمعنى : إيذاء المؤمن بالتعذيب والتشريد ، بقصد أن يتركوا دينهم ويرجعوا كفاراً ، أعظم جرماً عند الله من القتل . وقال ابن عباس : الشرك أعظم من القتل في الحرم .
{ والحرمات قِصَاصٌ } : الحُرُمات جمع حُرْمة ، كالظُلمات جمع ظلمة ، والحُرْمة كل ما منع الشرع من انتهاكه ، وإنما جمعت لأنه أراد حرمة الشهر الحرام ، وحرمة البلد الحرام ، وحرمة الإحرام ، والقصاصُ : المساواة والمماثلة وقد تقدم .
والمعنى : إذا انتهكوا حرمة الشهر فقاتلوكم فيه فقاتلوهم أنتم أيضاًَ ولا تتحرجوا . قال الزجاج : أعلم الله المسلمين أنه ليس لهم أن ينتهكوا هذه الحرمات على سبيل الابتداء ، بل على سبيل القصاص .
{ التهلكة } : التهلُكة بضم اللام بمعنى الهلاك ، يقال : هلكَ يهلك هلاكاً وتهلُكةً .
قال أبو عبيدة : التهلكةُ ، والهَلاَك ، والهُلْك واحد ، مصدر هلك .
وفي اللسان : التهلكةُ : الهلاكُ ، وقيل : كلّ شيء تصير عاقبته إلى الهلاك .
{ المحسنين } : جمع محسن وهو الذي ينفع غيره بنفعٍ حسنٍ ، أو يحسن عمله بفعل ما يرضي الله تعالى .
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه : قاتلوا - أيها المؤمنون - في سبيل إعلاء كلمة الله وإعزاز دينه الذين يقاتلونكم من الكفار ، ولا تعتدوا بقتل الأطفال ، والنساء ، والشيوخ ، ممن لا قدرة لهم على القتال ، فإن الله يكره البغي والعدوان أيّاً كان مصدره .
واقتلوهم أينما أدركتموهم وصادفتموهم ، ولا يصدّنكم عنهم أنكم في أرض الحرم ، وأخرجوهم من المكان الذي أخرجوكم منه وهو مكة بلدكم الأصلي ، الذي أخرجوكم منه ظلماً وعدواناً ، والفتنة للمؤمنين وإيذاؤهم بالتعذيب والتشريد ، والإخراج من الوطن ، والمصادرة للمال ، أشد قبحاً من القتل ولا تقاتلوهم - أيها المؤمنون - عند المسجد الحرام ، حتى يبدؤوكم بالقتال ، فإن قاتلوكم فاقتلوهم ولا تستسلموا لهم ، فالبادئ هو الظالم ، والمدافع غير آم كذلك جزاء الكافرين ، فإن انتهوا عن عدوانهم فإن الله غفور رحيم .
{ ثَقِفْتُمُوهُم } : الثّقْفُ : الأخذ ، والإدراك ، والظفر يقال : ثقفه وجده أو ظفر به .
قال في اللسان : ثَقِف الرجلَ : ظفر به قال تعالى : { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحرب } [ الأنفال : 57 ] ورجل ثقيف إذا كان محكماً لما يتناوله من الأمور .
قال الراغب : الثقفُ : الحِذقُ في إدراك الشيء وفعله ، ومنه استعير المثاقفة ويقال : ثقفتُ كذا إذا أدركته ببصرك لحذقٍ في النظر .
وفي « الكشاف » : الثقفُ وجودٌ على وجه الأخذ والغلبة ، ومنه رجلٌ ثقف ، سريع الأخذ لأقرانه ، قال الشاعر :
فإمّا تثقفوني فاقتلوني ... فمن أثقفْ فليس إلى خلود
والمعنى : اقتلوا الكفار حيث وجدتموهم وظفرتم بهم في حِلّ أو حرم .
{ والفتنة } : الفتنة : الابتلاء والاختبار ، وأصلها من الفتن وهو إدخالُ الذهب النارَ لتظهر جودته من رداءته .
قال الأزهري : جماع معنى الفتنة : الابتلاء والامتحان ، والاختبار ، مأخوذ من قولك : فتنتُ الفضة والذهب إذا أذبتهما بالنار لتميزّ الرديء من الجيد .
والمعنى : إيذاء المؤمن بالتعذيب والتشريد ، بقصد أن يتركوا دينهم ويرجعوا كفاراً ، أعظم جرماً عند الله من القتل . وقال ابن عباس : الشرك أعظم من القتل في الحرم .
{ والحرمات قِصَاصٌ } : الحُرُمات جمع حُرْمة ، كالظُلمات جمع ظلمة ، والحُرْمة كل ما منع الشرع من انتهاكه ، وإنما جمعت لأنه أراد حرمة الشهر الحرام ، وحرمة البلد الحرام ، وحرمة الإحرام ، والقصاصُ : المساواة والمماثلة وقد تقدم .
والمعنى : إذا انتهكوا حرمة الشهر فقاتلوكم فيه فقاتلوهم أنتم أيضاًَ ولا تتحرجوا . قال الزجاج : أعلم الله المسلمين أنه ليس لهم أن ينتهكوا هذه الحرمات على سبيل الابتداء ، بل على سبيل القصاص .
{ التهلكة } : التهلُكة بضم اللام بمعنى الهلاك ، يقال : هلكَ يهلك هلاكاً وتهلُكةً .
قال أبو عبيدة : التهلكةُ ، والهَلاَك ، والهُلْك واحد ، مصدر هلك .
وفي اللسان : التهلكةُ : الهلاكُ ، وقيل : كلّ شيء تصير عاقبته إلى الهلاك .
{ المحسنين } : جمع محسن وهو الذي ينفع غيره بنفعٍ حسنٍ ، أو يحسن عمله بفعل ما يرضي الله تعالى .
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه : قاتلوا - أيها المؤمنون - في سبيل إعلاء كلمة الله وإعزاز دينه الذين يقاتلونكم من الكفار ، ولا تعتدوا بقتل الأطفال ، والنساء ، والشيوخ ، ممن لا قدرة لهم على القتال ، فإن الله يكره البغي والعدوان أيّاً كان مصدره .
واقتلوهم أينما أدركتموهم وصادفتموهم ، ولا يصدّنكم عنهم أنكم في أرض الحرم ، وأخرجوهم من المكان الذي أخرجوكم منه وهو مكة بلدكم الأصلي ، الذي أخرجوكم منه ظلماً وعدواناً ، والفتنة للمؤمنين وإيذاؤهم بالتعذيب والتشريد ، والإخراج من الوطن ، والمصادرة للمال ، أشد قبحاً من القتل ولا تقاتلوهم - أيها المؤمنون - عند المسجد الحرام ، حتى يبدؤوكم بالقتال ، فإن قاتلوكم فاقتلوهم ولا تستسلموا لهم ، فالبادئ هو الظالم ، والمدافع غير آم كذلك جزاء الكافرين ، فإن انتهوا عن عدوانهم فإن الله غفور رحيم .
(1/94)
ثمّ أكد تعالى الأمر بقتال الكفار ، وبيّن الغاية منه وهي ألاّ يوجد شيء من الفتنة في الدين ، فقال : قاتلوهم حتى تظهروا عليهم فلا يفتنوكم عن دينكم ، ويكون الدين خالصاً لله ، فلا يعبدون دونه أحد ، وتكون العبادة والطاعة لله وحده دون غيره من الأصنام والأوثان ، فإذا انتهوا عن قتالكم ، ودخلوا في دينكم فاتركوا قتالهم لأنه لا ينبغي أن يعتدي إلا على الظالمين . ثم أخبر تعالى أنّ المشركين بإصرارهم على الفتنة وإيذائهم للمؤمنين ، فعلوا ما هو أشد قبحاً من القتل ، فقال مخاطباً المؤمنين : الشهر الحرام يقابل بالشهر الحرام ، وهتك حرمته تقابل بهتك حرمته ، فلا تبالوا - أيها المؤمنون - بالقتال فيه إذا اضررتم للدفاع عن دينكم ، وإعلاء كلمة الله ، فمن تعرّض لقتالكم واعتدى عليكم فقاتلوه ، وردّوا عدوانه بلا ضعفٍ ولا تقصير ، بمثل ما يعتدي عليكم ، واتقوا لاله فلا تبغوا وتظلموا في القصاص ، إن الله يحب المتقين .
ثم أمر تعالى بالجهاد بالمال بعد الأمر بالجهاد بالأنفس فقال : وأنفقوا في سبيل الله أي ابذلوا المال في سبيل الله لنصرة دينه ، والدفاع عن الحق ، ولا تبخلوا فتشحوا بالمال ، فإن ذلك يضعفكم ، ويمكّن الأعداء من نواصيكم فتهلكون ، وأحسنوا فإن الله يحب المحسنين .
سبب النزول
أولاً : روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صُدّ عن البيت ، ونحر هديه بالحديبية ، وصالحه المشركون على ان يرجع من العام المقبل رجع ، فلما تجهز في العام المقبل خاف أصحابه أن لا تفي لهم قريش بذلك ، وأن يصدوهم ويقاتلوهم ، وكره أصحابه القتال في الشهر الحرام فنزلت هذه الآية { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ } قاله ابن عباس .
ثانياً : وروي أن المشركين قالوا للنبي عليه السلام : أنهيت عن قتالنا في الشهر الحرام؟ قال : نعم ، وأرادوا أن يفتروه في الشهر الحرام فيقاتلوه فيه فنزلت هذه الآية { الشهر الحرام بالشهر الحرام } قاله الحسن .
ثالثاً : وروي عن ابن عباس أنه قال : نزلت في عمرة القضاء وعام الحديبية في ذي القعدة سنة ست ، فصدّه كفار قريش عن البيت فانصرف ، ووعده الله سبحانه أنه سيدخله ، فدخله سنة سبع وقضى نسكه فنزلت هذه الآية { الشهر الحرام بالشهر الحرام } .
رابعاً : وروى ابن جرير الطبري : عن ( أسلم أبي عمران ) قال : « كنا بالقسطنطينية ، وعلى أهل مصر ( عقبة بن عامر ) وعلى أهل الشام ( فضالة بن عُبيد ) فخرج صفٌ عظيم من الروم فصففنا لهم ، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم ، فصاح الناس وقالوا : سبحان الله ، ألقى بيده إلى التهلكة ، فقام ( أبو أيوب الأنصاري ) صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على هذا التأويل ، وإنما نزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار ، إنّا لما أعزّ الله دينه ، وكثّر ناصريه ، قال بعضنا لبعضٍ سراً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أموالنا قد ضاعت ، وإن الله قد أعزّ الإسلام ، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها ، فأنزل الله في كتابه يرد علينا ما هممنا به { وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة } فكانت التهلكة الإقامة في الأموال ، وإصلاحها ، وتركنا الغزو » فما زال ( أبو أيوب ) غازياً في سبيل الله ، حتى قبضه الله ودفن بالقسطنطينية .
ثم أمر تعالى بالجهاد بالمال بعد الأمر بالجهاد بالأنفس فقال : وأنفقوا في سبيل الله أي ابذلوا المال في سبيل الله لنصرة دينه ، والدفاع عن الحق ، ولا تبخلوا فتشحوا بالمال ، فإن ذلك يضعفكم ، ويمكّن الأعداء من نواصيكم فتهلكون ، وأحسنوا فإن الله يحب المحسنين .
سبب النزول
أولاً : روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صُدّ عن البيت ، ونحر هديه بالحديبية ، وصالحه المشركون على ان يرجع من العام المقبل رجع ، فلما تجهز في العام المقبل خاف أصحابه أن لا تفي لهم قريش بذلك ، وأن يصدوهم ويقاتلوهم ، وكره أصحابه القتال في الشهر الحرام فنزلت هذه الآية { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ } قاله ابن عباس .
ثانياً : وروي أن المشركين قالوا للنبي عليه السلام : أنهيت عن قتالنا في الشهر الحرام؟ قال : نعم ، وأرادوا أن يفتروه في الشهر الحرام فيقاتلوه فيه فنزلت هذه الآية { الشهر الحرام بالشهر الحرام } قاله الحسن .
ثالثاً : وروي عن ابن عباس أنه قال : نزلت في عمرة القضاء وعام الحديبية في ذي القعدة سنة ست ، فصدّه كفار قريش عن البيت فانصرف ، ووعده الله سبحانه أنه سيدخله ، فدخله سنة سبع وقضى نسكه فنزلت هذه الآية { الشهر الحرام بالشهر الحرام } .
رابعاً : وروى ابن جرير الطبري : عن ( أسلم أبي عمران ) قال : « كنا بالقسطنطينية ، وعلى أهل مصر ( عقبة بن عامر ) وعلى أهل الشام ( فضالة بن عُبيد ) فخرج صفٌ عظيم من الروم فصففنا لهم ، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم ، فصاح الناس وقالوا : سبحان الله ، ألقى بيده إلى التهلكة ، فقام ( أبو أيوب الأنصاري ) صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على هذا التأويل ، وإنما نزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار ، إنّا لما أعزّ الله دينه ، وكثّر ناصريه ، قال بعضنا لبعضٍ سراً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أموالنا قد ضاعت ، وإن الله قد أعزّ الإسلام ، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها ، فأنزل الله في كتابه يرد علينا ما هممنا به { وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة } فكانت التهلكة الإقامة في الأموال ، وإصلاحها ، وتركنا الغزو » فما زال ( أبو أيوب ) غازياً في سبيل الله ، حتى قبضه الله ودفن بالقسطنطينية .
(1/95)
وجوه القراءات
قرأ الجمهور ( ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه ، فإن قتلوكم فاقتلوهم ) بالألف في ( تقاتلوهم ) و ( يقاتلوكم ) و ( قاتلوكم ) وقرأ حمزة والكسائي ، وخلف بحذف الألف فيهن ( ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكمفيه ، فإن قتلوكم ) .
قال الطبري : « وأولى هاتين القراءتين بالصواب قراءة من قرأ ( ولا تقاتلوهم ) لأن الله تعالى ذكره لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حال إذا قاتلهم المشركون بالاستسلام لهم » .
وجوه الإعراب
أولاً : قوله تعالى : { كَذَلِكَ جَزَآءُ الكافرين } .
قال العكبري : ( كذلك ) مبتدأ ، و ( جزاء ) خبره ، والجزاء مصدر مضاف إلى المفعول ، ويجوز أن يكون في معنى المنصوب ويكون التقدير : كذلك جزاء الله الكافرين .
ثانياً : قوله تعالى : { حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } حتّى بمعنى ( كي ) ويجوز أن تكون بمعنى إلى أن ، وكان تامة ، والمعنى : وقاتلوهم إلى أن لا توجد فتنة .
ثالثاً : قوله تعالى : { فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظالمين } عدوان : اسم ( لا ) والجملة ( إلا على الظالمين ) في موضع رفع خبر ( لا ) قال العكبري : ففي الإثبات يقول : العدوان على الظالمين ، فإذا جئت بالنفي وإلاّ بقي الإعراب على ما كان عليه .
لطائف التفسير
الطيفة الأولى : لا يذكر في القرآن الكريم لفظ ( القتال ) أو ( الجهاد ) إلا وهو مقرون بعبارة ( سبيل الله ) وذلك يدل على أن الغاية من القتال غاية مقدسة نبيلة هي ( إعلاء كلمة الله ) لا السيطرة أو المغنم ، أو إظهار الشجاعة ، أو الاستعلاء في الأرض ، وقد وضّح هذه الغاية النبيلة قوله عليه السلام : « من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله » .
اللطيفة الثانية : قال الزمخشري عند قول الله تعالى : { والفتنة أَشَدُّ مِنَ القتل } أي المحنة والبلاء الذي ينزل بالإنسان يتعذب به أشد عليه من القتل ، وقيل لبعض الحكماء : ما أشدّ من الموت؟ قال : الذي يتمنى فيه الموت . . جعل الإخراج من الوطن من الفتن والمحن التي يتمنى عندها الموت ، ومنه قول القائل :
لقتلٌ بحدّ السيف أهون موقعاً ... على النفس من قتلٍ بحد فِراق
اللطيفة الثالثة : قوله تعالى : { فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظالمين } .
قال الإمام الفخر : فإن قيل : لم سمّى ذلك القتل عدواناً مع أنه حقٌ وصواب؟
قلنا : لأن ذلك القتل جزاء العدوان ، فصحّ إطلاق اسم العدوان عليه كقوله تعالى : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] .
قال الزجاج : والعرب تقول : ظلمني فلان فظلمته أي جازيته بظلمه .
قرأ الجمهور ( ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه ، فإن قتلوكم فاقتلوهم ) بالألف في ( تقاتلوهم ) و ( يقاتلوكم ) و ( قاتلوكم ) وقرأ حمزة والكسائي ، وخلف بحذف الألف فيهن ( ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكمفيه ، فإن قتلوكم ) .
قال الطبري : « وأولى هاتين القراءتين بالصواب قراءة من قرأ ( ولا تقاتلوهم ) لأن الله تعالى ذكره لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حال إذا قاتلهم المشركون بالاستسلام لهم » .
وجوه الإعراب
أولاً : قوله تعالى : { كَذَلِكَ جَزَآءُ الكافرين } .
قال العكبري : ( كذلك ) مبتدأ ، و ( جزاء ) خبره ، والجزاء مصدر مضاف إلى المفعول ، ويجوز أن يكون في معنى المنصوب ويكون التقدير : كذلك جزاء الله الكافرين .
ثانياً : قوله تعالى : { حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } حتّى بمعنى ( كي ) ويجوز أن تكون بمعنى إلى أن ، وكان تامة ، والمعنى : وقاتلوهم إلى أن لا توجد فتنة .
ثالثاً : قوله تعالى : { فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظالمين } عدوان : اسم ( لا ) والجملة ( إلا على الظالمين ) في موضع رفع خبر ( لا ) قال العكبري : ففي الإثبات يقول : العدوان على الظالمين ، فإذا جئت بالنفي وإلاّ بقي الإعراب على ما كان عليه .
لطائف التفسير
الطيفة الأولى : لا يذكر في القرآن الكريم لفظ ( القتال ) أو ( الجهاد ) إلا وهو مقرون بعبارة ( سبيل الله ) وذلك يدل على أن الغاية من القتال غاية مقدسة نبيلة هي ( إعلاء كلمة الله ) لا السيطرة أو المغنم ، أو إظهار الشجاعة ، أو الاستعلاء في الأرض ، وقد وضّح هذه الغاية النبيلة قوله عليه السلام : « من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله » .
اللطيفة الثانية : قال الزمخشري عند قول الله تعالى : { والفتنة أَشَدُّ مِنَ القتل } أي المحنة والبلاء الذي ينزل بالإنسان يتعذب به أشد عليه من القتل ، وقيل لبعض الحكماء : ما أشدّ من الموت؟ قال : الذي يتمنى فيه الموت . . جعل الإخراج من الوطن من الفتن والمحن التي يتمنى عندها الموت ، ومنه قول القائل :
لقتلٌ بحدّ السيف أهون موقعاً ... على النفس من قتلٍ بحد فِراق
اللطيفة الثالثة : قوله تعالى : { فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظالمين } .
قال الإمام الفخر : فإن قيل : لم سمّى ذلك القتل عدواناً مع أنه حقٌ وصواب؟
قلنا : لأن ذلك القتل جزاء العدوان ، فصحّ إطلاق اسم العدوان عليه كقوله تعالى : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] .
قال الزجاج : والعرب تقول : ظلمني فلان فظلمته أي جازيته بظلمه .
(1/96)
وجهل فلان عليّ فجهلت عليه . وعليه قول الشاعر :
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
اللطيفة الرابعة : قوله تعالى : { فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ . . } الآية .
الدفاع عن النفس مشروع ولا يعدّ اعتداءً ، وإنما سمي في الآية اعتداءً ( فاعتدوا عليه ) من باب ( المشاكلة ) وهي الاتفاق في اللفظ مع الاختلاف في المعنى كقول القائل :
قالوا اقترح شيئاً نُجِدْ لك طبخه ... قلت اطبخوا لي جبة وقميصاً
والأصل فيها ( فمن اعتدى عليكم ) فقابلوه وجازوه بمثل ما اعتدى عليكم ، وباب المشاكلة وردت فيه آيات عديدة كقوله تعالى : { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله } [ آل عمران : 54 ] وقوله : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] وقوله : { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ الله مِنْهُمْ } [ التوبة : 79 ] .
اللطيفة الخامسة : قال بعض العلماء : ( لا أعلم مصدراً جاء في لغة العرب على وزن ( تفعُلة ) بضم العين إلا في هذه الآية { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة } ، وقال صاحب « الكشاف » : ويجوز أن يقال : أصله التهلِكة ، كالتجربة ، والتبصرة على أنها مصدر من هلك فأبدلت من الكسرة ضمة كما جاء الجوار في الجوار .
قال الإمام الفخر : « إني لأتعجب كثيراً من تكلفات هؤلاء النحويين في أمثال هذه المواضع ، وذلك أنهم لو وجدوا شعراً مجهولاً يشهد لما أرادوه فرحوا به ، واتخذوه حجة قوية ، فورود هذا اللفظ في كلام الله تعالى ، المشهود له من الموافق والمخالف بالفصاحة أولى بأن يدل على صحة هذه اللفظة واستقامتها » .
أقول : ما ذكره الإمام الفخر هو الحق والصواب ، فالقرآن الكريم حجة على اللغة ، وليست اللغة حجة على القرآن ، ورضي الله عن الإمام الفخر فقد أجاد في هذا وأفاد .
اللطيفة السادسة : الجهاد في سبيل الله أفضل القربات عند الله ، ولا يعدله شيء من العبادات لقوله عليه السلام : « مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم ، القانت بآيات الله ، لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله » .
كتب ( عبد الله بن المبارك ) إلى ( الفُضيل بن عياض ) بهذه الأبيات :
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ... لعلمتَ أنك في العبادة تلعب
من كان يخضُب خدّه بدموعه ... فنحورنا بدمائنا تتخضّب
أو كان يتُعب خيله في باطل ... فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا ... وهجُ السنابل والغبار الأطيب
فلما قرأها الفضيل ذرفت عيناه وقال : صدق أبو عبد الرحمن ونصحني .
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : متى فرض الجهاد على المسلمين؟
لم يختلف العلماء في أن القتال قبل الهجرة كان محظوراً على المسلمين ، بنصوص كثيرة في كتاب الله تعالى ، منها قوله تعالى : { فاعف عَنْهُمْ واصفح } [ المائدة : 13 ] وقوله : { ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ } [ المؤمنون : 96 ] وقوله : { وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ } [ آل عمران : 20 ] وقوله : { قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله } [ الجاثية : 14 ] وقوله : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } [ الفرقان : 63 ] وأمثال هذه الآيات كثير تدل على أن المؤمنين كانوا منهيّين ن قتال أعدائهم ، وهناك نص صريح بالكف عن القتال وهو قوله تعالى :
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
اللطيفة الرابعة : قوله تعالى : { فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ . . } الآية .
الدفاع عن النفس مشروع ولا يعدّ اعتداءً ، وإنما سمي في الآية اعتداءً ( فاعتدوا عليه ) من باب ( المشاكلة ) وهي الاتفاق في اللفظ مع الاختلاف في المعنى كقول القائل :
قالوا اقترح شيئاً نُجِدْ لك طبخه ... قلت اطبخوا لي جبة وقميصاً
والأصل فيها ( فمن اعتدى عليكم ) فقابلوه وجازوه بمثل ما اعتدى عليكم ، وباب المشاكلة وردت فيه آيات عديدة كقوله تعالى : { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله } [ آل عمران : 54 ] وقوله : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] وقوله : { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ الله مِنْهُمْ } [ التوبة : 79 ] .
اللطيفة الخامسة : قال بعض العلماء : ( لا أعلم مصدراً جاء في لغة العرب على وزن ( تفعُلة ) بضم العين إلا في هذه الآية { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة } ، وقال صاحب « الكشاف » : ويجوز أن يقال : أصله التهلِكة ، كالتجربة ، والتبصرة على أنها مصدر من هلك فأبدلت من الكسرة ضمة كما جاء الجوار في الجوار .
قال الإمام الفخر : « إني لأتعجب كثيراً من تكلفات هؤلاء النحويين في أمثال هذه المواضع ، وذلك أنهم لو وجدوا شعراً مجهولاً يشهد لما أرادوه فرحوا به ، واتخذوه حجة قوية ، فورود هذا اللفظ في كلام الله تعالى ، المشهود له من الموافق والمخالف بالفصاحة أولى بأن يدل على صحة هذه اللفظة واستقامتها » .
أقول : ما ذكره الإمام الفخر هو الحق والصواب ، فالقرآن الكريم حجة على اللغة ، وليست اللغة حجة على القرآن ، ورضي الله عن الإمام الفخر فقد أجاد في هذا وأفاد .
اللطيفة السادسة : الجهاد في سبيل الله أفضل القربات عند الله ، ولا يعدله شيء من العبادات لقوله عليه السلام : « مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم ، القانت بآيات الله ، لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله » .
كتب ( عبد الله بن المبارك ) إلى ( الفُضيل بن عياض ) بهذه الأبيات :
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ... لعلمتَ أنك في العبادة تلعب
من كان يخضُب خدّه بدموعه ... فنحورنا بدمائنا تتخضّب
أو كان يتُعب خيله في باطل ... فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا ... وهجُ السنابل والغبار الأطيب
فلما قرأها الفضيل ذرفت عيناه وقال : صدق أبو عبد الرحمن ونصحني .
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : متى فرض الجهاد على المسلمين؟
لم يختلف العلماء في أن القتال قبل الهجرة كان محظوراً على المسلمين ، بنصوص كثيرة في كتاب الله تعالى ، منها قوله تعالى : { فاعف عَنْهُمْ واصفح } [ المائدة : 13 ] وقوله : { ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ } [ المؤمنون : 96 ] وقوله : { وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ } [ آل عمران : 20 ] وقوله : { قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله } [ الجاثية : 14 ] وقوله : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } [ الفرقان : 63 ] وأمثال هذه الآيات كثير تدل على أن المؤمنين كانوا منهيّين ن قتال أعدائهم ، وهناك نص صريح بالكف عن القتال وهو قوله تعالى :
(1/97)
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين قِيلَ لَهُمْ كفوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصلاوة وَآتُواْ الزكاوة فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتال إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ الناس . . } [ النساء : 77 ] الآية .
والحكمة في الكف عن القتال : في بدء الدعوة يمكن أن نلخِّص أسبابها فيما يلي :
أ - إن المسلمين كانوا في مكة قلة ، وهم محصورون فيها لا حول لهم ولا طول ، ولو وقع بينهم وبين المشركين حرب أو قتال لأبادوهم عن بكرة أبيهم ، فشاء الله أن يكثروا وأن يكون لهم أنصار وأعوان ، وأن يرتكزوا قاعدة آمنه تحميها الدولة ، فلمّا هاجروا إلى المدينة المنورة أذن لهم بالقتال بعد أن قويت شوكتهم وكثر عددهم .
ب - كانت الغاية تدريب نفوس المؤمنين على الصبر امتثالاً للأمر ، وخضوعاً للقيادة ، وانتظاراً للإذن ، وقد كان العرب في الجاهلية شديدي الحماسة ، لا يصبرون على الضيم ، وقد تعودوا الاندفاع والحماسة ، والخفة للقتال عند أول داع ، فكان لا بدّ من تمرينهم على تحمل الأذى ، والصبر على المكاره والخضوع لأمر القيادة العليا ، حتى يقع التوازن بين الاندفاع والتروي ، والحميّة والطاعة ، في جماعةٍ هيأتهم إرادة الله لأمر عظيم .
ج - البيئة العربية كانت بيئة نخوة ونجدة ، وكان صبر المسلمين على الأذى - وفيهم الأبطال والشجعان الذين يستطيعون أن يردوا الصاع صاعين - مما يثير النخوة ، ويحرك القلوب نحو الإسلام ، حصل هذا بالفعل في ( المحاصرة في الشعب ) عندما أجمعت قريش على مقاطعة بني هاشم ، كي يتخلوا عن حماية الرسول صلى الله عليه وسلم واشتد الاضطهاد على بني هاشم ، ثارت نفوس لم تؤمن بالإسلام ، أخذتها النخوة والنجدة حتى مزّقوا الصحيفة التي تعاهد فيها المشركون على المقاطعة ، وانتهى ذلك الحصار المشؤوم .
د - كان المسلمون في مكة يعيشون مع آبائهم وأهليهم في بيوت ، وكان أهلوهم المشركون يعذبونهم ليفتنوهم عن دينهم ، ويردوهم إلى الشرك والضلال ، فلو أذن للمسلمين أن يدفعوا عن أنفسهم يومذاك ، لكان معنى هذا أن تقوم معركة في كل بيت ، وأن يقع دم في كل أسرة ، وليس من مصلحة الدعوة أن تثار حرب دموية داخل البيوت ، فلما أحدثت الهجرة وانعزلت الجماعة أبيح لهم القتال .
الحكم الثاني : ما هي أول الآيات في تشريع القتال؟
اختلف السلف : في أول آية نزلت في القتال ، فروي عن الربيع بن أنس وغيره أن أول آية نزلت هي قوله تعالى : { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ } [ البقرة : 190 ] نزلت بالمدينة ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتله ويكف عمن كفّ عنه .
وروي عن جماعة من الصحابة : منهم أبو بكر الصديق وابن عباس وسعيد بن جبير أن أول آيةٍ نزلت في القتال هي قوله تعالى : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ الله على نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } [ الحج : 39 ] .
قال أبو بكر بن العربي : « والصحيح أن أول آية نزلت آية الحج
والحكمة في الكف عن القتال : في بدء الدعوة يمكن أن نلخِّص أسبابها فيما يلي :
أ - إن المسلمين كانوا في مكة قلة ، وهم محصورون فيها لا حول لهم ولا طول ، ولو وقع بينهم وبين المشركين حرب أو قتال لأبادوهم عن بكرة أبيهم ، فشاء الله أن يكثروا وأن يكون لهم أنصار وأعوان ، وأن يرتكزوا قاعدة آمنه تحميها الدولة ، فلمّا هاجروا إلى المدينة المنورة أذن لهم بالقتال بعد أن قويت شوكتهم وكثر عددهم .
ب - كانت الغاية تدريب نفوس المؤمنين على الصبر امتثالاً للأمر ، وخضوعاً للقيادة ، وانتظاراً للإذن ، وقد كان العرب في الجاهلية شديدي الحماسة ، لا يصبرون على الضيم ، وقد تعودوا الاندفاع والحماسة ، والخفة للقتال عند أول داع ، فكان لا بدّ من تمرينهم على تحمل الأذى ، والصبر على المكاره والخضوع لأمر القيادة العليا ، حتى يقع التوازن بين الاندفاع والتروي ، والحميّة والطاعة ، في جماعةٍ هيأتهم إرادة الله لأمر عظيم .
ج - البيئة العربية كانت بيئة نخوة ونجدة ، وكان صبر المسلمين على الأذى - وفيهم الأبطال والشجعان الذين يستطيعون أن يردوا الصاع صاعين - مما يثير النخوة ، ويحرك القلوب نحو الإسلام ، حصل هذا بالفعل في ( المحاصرة في الشعب ) عندما أجمعت قريش على مقاطعة بني هاشم ، كي يتخلوا عن حماية الرسول صلى الله عليه وسلم واشتد الاضطهاد على بني هاشم ، ثارت نفوس لم تؤمن بالإسلام ، أخذتها النخوة والنجدة حتى مزّقوا الصحيفة التي تعاهد فيها المشركون على المقاطعة ، وانتهى ذلك الحصار المشؤوم .
د - كان المسلمون في مكة يعيشون مع آبائهم وأهليهم في بيوت ، وكان أهلوهم المشركون يعذبونهم ليفتنوهم عن دينهم ، ويردوهم إلى الشرك والضلال ، فلو أذن للمسلمين أن يدفعوا عن أنفسهم يومذاك ، لكان معنى هذا أن تقوم معركة في كل بيت ، وأن يقع دم في كل أسرة ، وليس من مصلحة الدعوة أن تثار حرب دموية داخل البيوت ، فلما أحدثت الهجرة وانعزلت الجماعة أبيح لهم القتال .
الحكم الثاني : ما هي أول الآيات في تشريع القتال؟
اختلف السلف : في أول آية نزلت في القتال ، فروي عن الربيع بن أنس وغيره أن أول آية نزلت هي قوله تعالى : { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ } [ البقرة : 190 ] نزلت بالمدينة ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتله ويكف عمن كفّ عنه .
وروي عن جماعة من الصحابة : منهم أبو بكر الصديق وابن عباس وسعيد بن جبير أن أول آيةٍ نزلت في القتال هي قوله تعالى : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ الله على نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } [ الحج : 39 ] .
قال أبو بكر بن العربي : « والصحيح أن أول آية نزلت آية الحج
(1/98)
{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ } [ الحج : 39 ] ثم نزل { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ } فكان القتال إذناً ثم أصبح بعد ذلك فرضاً ، لأن آية الإذن في القتال مكية ، وهذه الآية مدنية متأخرة « .
الحكم الثالث : هل يباح القتال في الحرم؟
دل قوله تعالى : { وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المسجد الحرام حتى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ } على حرمة القتال في الحرم ، إلا إذا بدأ المشركون بالعدوان ، فيباح لنا قتالهم دفعاً لشرهم وإجرامهم ، ولا يجوز لنا أن نبدأهم بالقتال عملاً بالآية الكريمة وعلى هذا تكون الآية محكمة غير منسوخة .
وقد روي عن مجاهد : في قوله تعالى : { فَإِن قَاتَلُوكُمْ فاقتلوهم } أنه قال : » لا تقاتل في الحرم أحداً أبداً ، فمن عدا عليك فقاتلك فقاتله كما يقاتلك « .
وروي عن قتادة أنه قال : الآية منسوخة نسختها آية براءة { فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] .
قال العلامة القرطبي : وللعلماء في هذه الآية قولان : أحدهما أنها منسوخة ، والثاني أنها محكمة .
قال مجاهد : الآية محكمة ، ولا يجوز قتال أحد في المسجد الحرام بعد أن يقاتل ، وبه قال طاووس ، وهو الذي يقتضيه نص الآية ، وهو الصحيح من القولين ، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه .
ويدل عليه ما روي في الصحيح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه ولسم خطب يوم فتح مكة فقال : » يا أيها الناس! إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، ولم تحلّ لأحدٍ قبلي ، ولا تحل لأحدٍ بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من النهار ، ثم عادت حراماً إلى يوم القيامة « .
مناظرة لطيفة
قال القاضي أبو بكر ابن العربي : » حضرتُ في بيت المقدس طهّره الله بمدرسة ( أبي عقبة ) الحنفي والقاضي الزنجاني يلقي علينا الدرس في يوم الجمعة ، فبينا نحن كذلك إذ دخل علينا رجل بهيّ المنظر على ظهره أطمار ، فسلّم سلام العلماء وتصدّر في صدر المجلس ، فقال له الزنجاني : من السيد؟ فقال : رجل سلبة الشُطّار أمس ، وكان مقصدي هذا الحرم المقدس ، وأنا رجلٌ من صاغان من طلبة العلم ، فقال القاضي مبادراً : سلوه - على العادة في إكرام العلماء بمبادرة سؤالهم - ووقعت القرعة على مسألة « الكافر إذا التجأ إلى الحرم هل يقتل فيه أم لا؟ » فأفتى بأنه لا يقتل ، فسئل عن الدليل فقال قوله تعالى : { وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المسجد الحرام حتى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ } وقرئ : ( ولا تقتلوهم ) وقرئ ( ولا تقاتلوهم ) فإن قرئ : ولا تقتلوهم فالمسألة نصّ ، وإن قرئ ولا تقاتلوهم فهو تنبيه لأنه إذا أُنهي عن القتال الذي هو سبب القتل كان دليلاً بيناً ظاهراً على النهي عن القتل .
فاعترض عليه القاضي الزنجاني منتصراً للشافعي ومالك - وإن لم ير مذهبهما على العادة - فقال : هذه الآية منسوخة بقوله تعالى :
الحكم الثالث : هل يباح القتال في الحرم؟
دل قوله تعالى : { وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المسجد الحرام حتى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ } على حرمة القتال في الحرم ، إلا إذا بدأ المشركون بالعدوان ، فيباح لنا قتالهم دفعاً لشرهم وإجرامهم ، ولا يجوز لنا أن نبدأهم بالقتال عملاً بالآية الكريمة وعلى هذا تكون الآية محكمة غير منسوخة .
وقد روي عن مجاهد : في قوله تعالى : { فَإِن قَاتَلُوكُمْ فاقتلوهم } أنه قال : » لا تقاتل في الحرم أحداً أبداً ، فمن عدا عليك فقاتلك فقاتله كما يقاتلك « .
وروي عن قتادة أنه قال : الآية منسوخة نسختها آية براءة { فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] .
قال العلامة القرطبي : وللعلماء في هذه الآية قولان : أحدهما أنها منسوخة ، والثاني أنها محكمة .
قال مجاهد : الآية محكمة ، ولا يجوز قتال أحد في المسجد الحرام بعد أن يقاتل ، وبه قال طاووس ، وهو الذي يقتضيه نص الآية ، وهو الصحيح من القولين ، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه .
ويدل عليه ما روي في الصحيح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه ولسم خطب يوم فتح مكة فقال : » يا أيها الناس! إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، ولم تحلّ لأحدٍ قبلي ، ولا تحل لأحدٍ بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من النهار ، ثم عادت حراماً إلى يوم القيامة « .
مناظرة لطيفة
قال القاضي أبو بكر ابن العربي : » حضرتُ في بيت المقدس طهّره الله بمدرسة ( أبي عقبة ) الحنفي والقاضي الزنجاني يلقي علينا الدرس في يوم الجمعة ، فبينا نحن كذلك إذ دخل علينا رجل بهيّ المنظر على ظهره أطمار ، فسلّم سلام العلماء وتصدّر في صدر المجلس ، فقال له الزنجاني : من السيد؟ فقال : رجل سلبة الشُطّار أمس ، وكان مقصدي هذا الحرم المقدس ، وأنا رجلٌ من صاغان من طلبة العلم ، فقال القاضي مبادراً : سلوه - على العادة في إكرام العلماء بمبادرة سؤالهم - ووقعت القرعة على مسألة « الكافر إذا التجأ إلى الحرم هل يقتل فيه أم لا؟ » فأفتى بأنه لا يقتل ، فسئل عن الدليل فقال قوله تعالى : { وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المسجد الحرام حتى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ } وقرئ : ( ولا تقتلوهم ) وقرئ ( ولا تقاتلوهم ) فإن قرئ : ولا تقتلوهم فالمسألة نصّ ، وإن قرئ ولا تقاتلوهم فهو تنبيه لأنه إذا أُنهي عن القتال الذي هو سبب القتل كان دليلاً بيناً ظاهراً على النهي عن القتل .
فاعترض عليه القاضي الزنجاني منتصراً للشافعي ومالك - وإن لم ير مذهبهما على العادة - فقال : هذه الآية منسوخة بقوله تعالى :
(1/99)
{ فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] فقال له الصاغاني : هذا لا يليق بمنصب القاضي وعلمه ، فإن هذه الآية التي اعترضت بها عليّ ( عامة ) في الأماكن ، والآي التي احتججتُ بها ( خاصة ) ، ولا يجوز لأحد أن يقول : إن العام ينسخ الخاص ، فأبْهَتَ القاضي الزنجاني ، وهذا من بديع الكلام « .
قال ابن العربي : » فثبت النهي عن القتال فيها قرآناً وسنة ، فإن لجأ إليها كافر فلا سبيل إليه ، وأما الزاني والقاتل فلا بدّ من إقامة الحد عليه ، إلا أن يبتدئ الكافر بالقتال فيها فيُقْتل بنصّ القرآن « .
الحكم الرابع : ما المراد بالعدون في الآية الكريمة؟
حرّم الباري جل وعلا الاعتداء في قوله : { وَلاَ تعتدوا إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المعتدين } .
1 - ويدخل في ذلك ارتكاب المناهي - كما قاله الحسن البصري - من المُثْلة ، والغلول ، وقتل النساء والصبيان والشيوخ ، الذين لا قدرة لهم على القتال ، ويدخل فيها قتل الرهبان ، وتحريق الأشجار ، وقتل الحيوان لغير مصلحة . فكل هذا داخل في النهي { وَلاَ تعتدوا } .
ويدل عليه ما رواه مسلم عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : » اغزوا بسم الله ، في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تغلّوا ولا تغدروا ، ولا تمثّلوا ، ولا تقتلوا الوليد ، ولا أصحاب الصوامع « .
وفي » الصحيحين « عن ابن عمر أنه قال : » وُجدت امرأةٌ في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولةً فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان « .
ب - وقيل المراد بقوله { وَلاَ تعتدوا } النهيُ عن البدء بالقتال ، وهو مروي عن مقاتل .
ج - وقيل المراد به النهي عن قتال من لم يقاتل ، وهو قول سعيد بن جبير ، وأبي العالية .
قال القرطبي : » ويدل عليه من النظر أن قاتل ( فَاعَلَ ) لا يكون في الغالب إلا من اثنين ، كالمقاتلة والمشاتمة ، والمخاصمة ، والقتال لا يكون في النساء ولا في الصبيان ومن أشبههم ، كالرهبان ، والزّمْنَى ، والشيوخ فلا يقتلون ، وبهذا أوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه ( يزيد ابن أبي سفيان ) حين أرسله إلى الشام ، إلاّ أن يكون لهؤلاء إذاية ، وللعلماء فيهم صور ست :
الأولى - النساء إن قاتلن قُتلن لعموم قوله تعالى : { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ } .
الثانية - الصبيان فلا يقتلون للنهي الثابت عن قتل الذرية ، ولأنه لا تكليف عليهم .
الثالثة - الرهبان لا يُقتلون ولا يُسترقون لقول أبي بكر ( فذرهم وما حبسوا أنفسهم له ) .
الرابعة - الزّمني إن كانت فيهم إذاية قتلوا ، وإلا تركوا وما هم بسبيله من الزمانة .
الخامسة - الشيوخ قال مالك : لا يقتلون وهو قول جمهور الفقهاء إذا كان لا ينتفع بهم في رأي ولا مدافعة .
قال ابن العربي : » فثبت النهي عن القتال فيها قرآناً وسنة ، فإن لجأ إليها كافر فلا سبيل إليه ، وأما الزاني والقاتل فلا بدّ من إقامة الحد عليه ، إلا أن يبتدئ الكافر بالقتال فيها فيُقْتل بنصّ القرآن « .
الحكم الرابع : ما المراد بالعدون في الآية الكريمة؟
حرّم الباري جل وعلا الاعتداء في قوله : { وَلاَ تعتدوا إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المعتدين } .
1 - ويدخل في ذلك ارتكاب المناهي - كما قاله الحسن البصري - من المُثْلة ، والغلول ، وقتل النساء والصبيان والشيوخ ، الذين لا قدرة لهم على القتال ، ويدخل فيها قتل الرهبان ، وتحريق الأشجار ، وقتل الحيوان لغير مصلحة . فكل هذا داخل في النهي { وَلاَ تعتدوا } .
ويدل عليه ما رواه مسلم عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : » اغزوا بسم الله ، في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تغلّوا ولا تغدروا ، ولا تمثّلوا ، ولا تقتلوا الوليد ، ولا أصحاب الصوامع « .
وفي » الصحيحين « عن ابن عمر أنه قال : » وُجدت امرأةٌ في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولةً فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان « .
ب - وقيل المراد بقوله { وَلاَ تعتدوا } النهيُ عن البدء بالقتال ، وهو مروي عن مقاتل .
ج - وقيل المراد به النهي عن قتال من لم يقاتل ، وهو قول سعيد بن جبير ، وأبي العالية .
قال القرطبي : » ويدل عليه من النظر أن قاتل ( فَاعَلَ ) لا يكون في الغالب إلا من اثنين ، كالمقاتلة والمشاتمة ، والمخاصمة ، والقتال لا يكون في النساء ولا في الصبيان ومن أشبههم ، كالرهبان ، والزّمْنَى ، والشيوخ فلا يقتلون ، وبهذا أوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه ( يزيد ابن أبي سفيان ) حين أرسله إلى الشام ، إلاّ أن يكون لهؤلاء إذاية ، وللعلماء فيهم صور ست :
الأولى - النساء إن قاتلن قُتلن لعموم قوله تعالى : { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ } .
الثانية - الصبيان فلا يقتلون للنهي الثابت عن قتل الذرية ، ولأنه لا تكليف عليهم .
الثالثة - الرهبان لا يُقتلون ولا يُسترقون لقول أبي بكر ( فذرهم وما حبسوا أنفسهم له ) .
الرابعة - الزّمني إن كانت فيهم إذاية قتلوا ، وإلا تركوا وما هم بسبيله من الزمانة .
الخامسة - الشيوخ قال مالك : لا يقتلون وهو قول جمهور الفقهاء إذا كان لا ينتفع بهم في رأي ولا مدافعة .
(1/100)
السادسة - العسفاء وهم الأجراء والفلاحون لقول عمر ( اتقوا الله في الذرية والفلاحين الذين لا ينصبون لكم الحرب ) .
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
1 - القتال ينبغي أن يكون لإعلاء كلمة الله تعالى وإعزاز دينه .
2 - الله جل وعلا يكره العدوان والظلم والطغيان أياً كان مصدره .
3 - فتنة المؤمنين بالاضطهاد والتعذيب والتشريد مثل القتل .
4 - لا يعتدى على النساء والضعفاء والصبيان ممن لا قدرة لهم على القتال .
5 - الجهاد لدفع أذى المشركين ، وقبر الفتنة ، وتأمين سير الدعوة .
6 - ترك الانفاق والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس سبب للهلاك .
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
الصراع بين الحق والباطل قديم قدم هذه الحياة ، لا يهدأ ولا ينتهي ولا يزول إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وإليه يرجعون!!
ولا بد لكل أمة من أمم الأرض ، تريد أن تحيا حياة العزة والكرامة ، من أن تستعد الاستعداد الكامل لمجابهة عدوها بكل ما تملك من قوة ، وأن تأخذ بأسباب النصر ، فتهيئ شبابها للجهاد والقتال ، لأنه لا عيش في هذه الدنيا إلا للأقوياء ، ولا منطق إلا للقوة ، وقديماً قال شاعرنا العربي :
ومن لم يذُدْ عن حوصَه بسلاحة ... يُهدّمْ ومن لا يظلم الناس يظلم
والإسلام دين الله إلى الإنسانية ، يهتم بدعوة الناس إلى الدخول في هدايته ، والانضواء تحت رايته ، لينعموا بحياة الأمن والاستقرار ، ويعيشوا العيشة الكريمة التي أرادها الله لنبي الإنسان وإن الأمة الإسلامية . هي الأمة التي اختارها الله لإعلاء دينه ، وتبليغ وحيه ، وايصال هذا الهدى والنور إلى أمم الأرض .
فإذا وقف أحد في طريق الدعوة ، وأراد أن يصدها عن المضي في طريقها ، فلا بدّ من دحره ، وتطهير الأرض من شره ، لتصل هداية الله إلى النفوس ، وتعلو كلمة الحق ، ويأمن الناس على حريتهم الدينية ، في الإيمان بالله الواحد القهار . ولذلك شرع القتال لدفع عدوان الظالمين ، ولتحطيم كل قوة تعترض طريق الدعوة ، وإيصالها للناس في حرية واطمئنان . وصدق الله { وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدين للَّهِ } [ البقرة : 193 ] .
ولا يُقاتل إلا الباغي المعتدي ، الذي يريد أن يفرض إرادته على الأمة بالقهر والسلطان ، وأن يصد عن دين الله بقوة الحديد والنار ، ويفتن المؤمن بوسائل الفنة والإغراء . { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تعتدوا إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المعتدين } .
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
1 - القتال ينبغي أن يكون لإعلاء كلمة الله تعالى وإعزاز دينه .
2 - الله جل وعلا يكره العدوان والظلم والطغيان أياً كان مصدره .
3 - فتنة المؤمنين بالاضطهاد والتعذيب والتشريد مثل القتل .
4 - لا يعتدى على النساء والضعفاء والصبيان ممن لا قدرة لهم على القتال .
5 - الجهاد لدفع أذى المشركين ، وقبر الفتنة ، وتأمين سير الدعوة .
6 - ترك الانفاق والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس سبب للهلاك .
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
الصراع بين الحق والباطل قديم قدم هذه الحياة ، لا يهدأ ولا ينتهي ولا يزول إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وإليه يرجعون!!
ولا بد لكل أمة من أمم الأرض ، تريد أن تحيا حياة العزة والكرامة ، من أن تستعد الاستعداد الكامل لمجابهة عدوها بكل ما تملك من قوة ، وأن تأخذ بأسباب النصر ، فتهيئ شبابها للجهاد والقتال ، لأنه لا عيش في هذه الدنيا إلا للأقوياء ، ولا منطق إلا للقوة ، وقديماً قال شاعرنا العربي :
ومن لم يذُدْ عن حوصَه بسلاحة ... يُهدّمْ ومن لا يظلم الناس يظلم
والإسلام دين الله إلى الإنسانية ، يهتم بدعوة الناس إلى الدخول في هدايته ، والانضواء تحت رايته ، لينعموا بحياة الأمن والاستقرار ، ويعيشوا العيشة الكريمة التي أرادها الله لنبي الإنسان وإن الأمة الإسلامية . هي الأمة التي اختارها الله لإعلاء دينه ، وتبليغ وحيه ، وايصال هذا الهدى والنور إلى أمم الأرض .
فإذا وقف أحد في طريق الدعوة ، وأراد أن يصدها عن المضي في طريقها ، فلا بدّ من دحره ، وتطهير الأرض من شره ، لتصل هداية الله إلى النفوس ، وتعلو كلمة الحق ، ويأمن الناس على حريتهم الدينية ، في الإيمان بالله الواحد القهار . ولذلك شرع القتال لدفع عدوان الظالمين ، ولتحطيم كل قوة تعترض طريق الدعوة ، وإيصالها للناس في حرية واطمئنان . وصدق الله { وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدين للَّهِ } [ البقرة : 193 ] .
ولا يُقاتل إلا الباغي المعتدي ، الذي يريد أن يفرض إرادته على الأمة بالقهر والسلطان ، وأن يصد عن دين الله بقوة الحديد والنار ، ويفتن المؤمن بوسائل الفنة والإغراء . { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تعتدوا إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المعتدين } .
(1/101)
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)
[ 10 ] إتمام الحج والعمرة
التحليل اللفظي
{ أُحْصِرْتُمْ } : الإحصار في اللغة معناه : المنع والحبس ، يقال : حَصَره عن السفر وأحصره عنه إذا حبسه ومنعه قال الشاعر :
وما هجرُ ليلى أن تكون تَباعدت ... عليك ولا أن أحصرتْكَ شُغُول
قال في « اللسان » : الإحصار أن يُحضر الحاج عن بلوغ المناسك بمرضٍ أو نحوه .
قال الفراء : العرب تقول للذي يمنعه خوف أو مرض من الوصول إلى تمام حجه أو عمرته : قد أُحْصر ، وفي الحبس إذا حبسه سلطان ، أو قاهر مانع : قد حُصِر .
وقال الأزهري وأبو عبيدة : حًصر الرجل في الحبس ، وأحصر في السفر من مرضٍ أو انقطاع به .
{ الهدي } : الهديُ ما يهدى إلى بيت الله من بدنة أو غيرها ، وأصله هديٌّ مشدد فخفّف ، جمع هديّة قاله ابن قتيبة ، وقال القرطبي : وسميت هدياً لأن منها ما يهدى إلى بيت الله .
{ مَحِلَّهُ } : المحلّ بكسر الحاء الموضع الذي يحل به نحر الهدي وهو الحرم ، أو مكان الإحصار .
{ نُسُكٍ } : النّسك : جمع نسيكة وهي الذبيحة ينسكها العبد لله تعالى وأصل النسك العبادة ومنه قوله تعالى : { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } [ البقرة : 128 ] أي متعبداتنا .
{ رَفَثَ } : الرفث : الإفحاش للمرأة بالكلام . وكل ما يتعلق بذكر الجماع ودواعيه ، وأنشد أبو عبيدة :
وربّ أسراب حجيجٍ كظّم ... عن اللغا ورفث التكلم
{ فُسُوقَ } : الفسوق في اللغة : الخروج عن الشيء يقال : فسقت الرطبة : إذا خرجت من قشرها ، وفي الشرع الخروج عن طاعة الله عز وجل ، ومنه قوله تعالى في حق إبليس { كَانَ مِنَ الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } [ الكهف : 50 ] والمراد في الآية جميع المعاصي .
{ جِدَالَ } : الجدال : الخصام والمراء ، ويكثر عادة بين الرفقة والخدم في السفر .
{ الزاد } : ما يتزود به الإنسان من طعام وشراب لسفره ، والمراد به التزود للآخرة بالأعمال الصالحة قال الأعشى :
إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التُقى ... ولاقيتَ بعد الموتِ من قد تزودّا ندمتَ على ألاّ تكون كمثله
وأنك لم ترصد كما كان أرصدا ... { جُنَاحٌ } : الجناحُ : الحرج والإثم من الجنوح وهو الميل عن القصد وقد تقدم .
{ أَفَضْتُم } : أي اندفعتم يقال : فاض الإناء إذا امتلأ حتى ينصبّ على نواحيه .
قال الراغب : فاض الماء إذا سال منصباً ، والفيضُ : الماء الكثير ، ويقال غيضٌ من فيض ، أي قليل من كثير ، وقوله تعالى : { أَفَضْتُم مِّنْ عرفات } أي دفعتم منها بكثرة تشبيهاً بفيض الماء .
وقال الزمخشري : أفضتم : دفعتم بكثرة ، وهو من إفاضة الماء وهو صبه بكثرة ، وأصله أفضتم أنفسكم ، فتُرك ذكرُ المفعول .
{ عرفات } : اسم علم للموقف الذي يقف فيه الحجاج ، سميت تلك البقعة عرفات لأن الناس يتعارفون بها ، وهي اسم في لفظ الجمع ( كأذرعات ) فلا تجمع .
قال الفراء : عرفات جمع لا واحد له ، وقول الناس : نزلنا عرفة شبيهٌ بمولّد . وليس بعربي محض . وقوله صلى الله عليه وسلم : « الحج عرفة »
التحليل اللفظي
{ أُحْصِرْتُمْ } : الإحصار في اللغة معناه : المنع والحبس ، يقال : حَصَره عن السفر وأحصره عنه إذا حبسه ومنعه قال الشاعر :
وما هجرُ ليلى أن تكون تَباعدت ... عليك ولا أن أحصرتْكَ شُغُول
قال في « اللسان » : الإحصار أن يُحضر الحاج عن بلوغ المناسك بمرضٍ أو نحوه .
قال الفراء : العرب تقول للذي يمنعه خوف أو مرض من الوصول إلى تمام حجه أو عمرته : قد أُحْصر ، وفي الحبس إذا حبسه سلطان ، أو قاهر مانع : قد حُصِر .
وقال الأزهري وأبو عبيدة : حًصر الرجل في الحبس ، وأحصر في السفر من مرضٍ أو انقطاع به .
{ الهدي } : الهديُ ما يهدى إلى بيت الله من بدنة أو غيرها ، وأصله هديٌّ مشدد فخفّف ، جمع هديّة قاله ابن قتيبة ، وقال القرطبي : وسميت هدياً لأن منها ما يهدى إلى بيت الله .
{ مَحِلَّهُ } : المحلّ بكسر الحاء الموضع الذي يحل به نحر الهدي وهو الحرم ، أو مكان الإحصار .
{ نُسُكٍ } : النّسك : جمع نسيكة وهي الذبيحة ينسكها العبد لله تعالى وأصل النسك العبادة ومنه قوله تعالى : { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } [ البقرة : 128 ] أي متعبداتنا .
{ رَفَثَ } : الرفث : الإفحاش للمرأة بالكلام . وكل ما يتعلق بذكر الجماع ودواعيه ، وأنشد أبو عبيدة :
وربّ أسراب حجيجٍ كظّم ... عن اللغا ورفث التكلم
{ فُسُوقَ } : الفسوق في اللغة : الخروج عن الشيء يقال : فسقت الرطبة : إذا خرجت من قشرها ، وفي الشرع الخروج عن طاعة الله عز وجل ، ومنه قوله تعالى في حق إبليس { كَانَ مِنَ الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } [ الكهف : 50 ] والمراد في الآية جميع المعاصي .
{ جِدَالَ } : الجدال : الخصام والمراء ، ويكثر عادة بين الرفقة والخدم في السفر .
{ الزاد } : ما يتزود به الإنسان من طعام وشراب لسفره ، والمراد به التزود للآخرة بالأعمال الصالحة قال الأعشى :
إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التُقى ... ولاقيتَ بعد الموتِ من قد تزودّا ندمتَ على ألاّ تكون كمثله
وأنك لم ترصد كما كان أرصدا ... { جُنَاحٌ } : الجناحُ : الحرج والإثم من الجنوح وهو الميل عن القصد وقد تقدم .
{ أَفَضْتُم } : أي اندفعتم يقال : فاض الإناء إذا امتلأ حتى ينصبّ على نواحيه .
قال الراغب : فاض الماء إذا سال منصباً ، والفيضُ : الماء الكثير ، ويقال غيضٌ من فيض ، أي قليل من كثير ، وقوله تعالى : { أَفَضْتُم مِّنْ عرفات } أي دفعتم منها بكثرة تشبيهاً بفيض الماء .
وقال الزمخشري : أفضتم : دفعتم بكثرة ، وهو من إفاضة الماء وهو صبه بكثرة ، وأصله أفضتم أنفسكم ، فتُرك ذكرُ المفعول .
{ عرفات } : اسم علم للموقف الذي يقف فيه الحجاج ، سميت تلك البقعة عرفات لأن الناس يتعارفون بها ، وهي اسم في لفظ الجمع ( كأذرعات ) فلا تجمع .
قال الفراء : عرفات جمع لا واحد له ، وقول الناس : نزلنا عرفة شبيهٌ بمولّد . وليس بعربي محض . وقوله صلى الله عليه وسلم : « الحج عرفة »
(1/102)
هو اسم لليوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم الوقوف بعرفات ، وليس اسماً للمكان كما صرح به الراغب .
{ المشعر الحرام } : هو جبل المزدلفة يقف عليه الإمام ، وسمي ( مَشْعراً ) لأنه مَعْلم للعبادة ، ووصف بالحرام لحرمته .
{ مَّنَاسِكَكُمْ } : المناسك جمع ( مَنْسَك ) الذي هو المصدر بمنزلة النسك ، أي إذا قضيتم عباداتكم التي أمرتم بها في الحج ، وإن جعلتها جمع ( مَنْسَك ) الذي هو موضع العبادة كان التقدير : فإذا قضيتم أعمال مناسككم فيكون من باب حذف المضاف أفاده الفخر .
{ خَلاَقٍ } : أي نصيب وقد تقدم ، ومعنى الآية : ليس له في الآخرة نصيب من رحمة الله .
المعنى الإجمالي
أمر الله المؤمنين بإتمام الحج والعمرة ، وأداء المناسك على الوجه الأكمل ابتغاء وجه الله ، فإذا مُنع المحرم من إتمام النسك بسبب عدوٍ أو مرض ، وأراد أن يتحلل فعليه أن يذبح ما تيسّر له من بدنة ، أو بقرة ، أو شاة ، ونهى تعالى عن الحلق والتحلل قبل بلوغ الهدي المكان الذي يحل ذبحه فيه ، أمّا من كان مريضاً أو به أذى في رأسه فإنه يحلق وعليه فدية ، إمّا صيام ثلاثة أيام ، أو يذبح شاة ، أو يتصدق على ستة مساكين ، لكن مسكين فدية ، صاعٍ من طعام فمن اعتمر في أشهر الحج واستمتع بما يستمتع به غير المحرم من الطيب والنساء وغيرها فعليه ما استيسر من الهدي شكر الله تعالى ، فمن لم يجد الهدي فعليه صيام عشرة أيام ، ثلاثة حين يحرم بالحج وسبعة إذا رجع إلى وطنه . ذلك التمتع خاص بغير أهل الحرم ، أما أهل الحرم فليس لهم تمتع وليس عليهم هدي .
ثم بيّن تعالى أشهر الحج وهي ( شوال ، وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة ) وأمر من ألزم نفسه الحج بالتجرد عن عاداته ، وعن التمتع بنعيم الدنيا ، لأنه مقبل على الله ، قاصد لرضاه ، فعليه أن يترك النساء والاستمتاع بهن ، وأن يترك المعاصي والنزاع والجدال مع الناس ، وأن يتزود من الأعمال الصالحة التي تقربه من الله .
ثم أبان تعالى أن الكسب في أيام الحج غير محظور ، وأن التجارة الدنيوية لا تنافي العبادة الدينية ، وقد كان الناس يتأثمون من كل عمل دنيوي أيام الحج ، فأعلمهم الله أن الكسب فضل من الله لا جناح فيه مع الإخلاص ثم أمر تعالى الناس بعد الدفع من عرفات ، أن يذكروا الله عند المشعر الحرام ، بالدعاء والتكبير والتلبية ، ون يشكروه على نعمة الإيمان ، فإذا فرغوا من مناسك الحج ، فليكثروا ذكر الله وليبالغوا فيه كما كانوا يفعلون بذكر آبائهم ومفاخرهم .
روي عن ابن عباس أنه قال : « كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم ، يتفاخرون بمآثر آبائهم ، يقول الرجل منهم : كان أبي يُطعم ، ويحمل الحمالات ، ويحمل الديات ، ليس لهم ذكرٌ غير فعال آبائهم فأنزل الله { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فاذكروا الله كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً } .
{ المشعر الحرام } : هو جبل المزدلفة يقف عليه الإمام ، وسمي ( مَشْعراً ) لأنه مَعْلم للعبادة ، ووصف بالحرام لحرمته .
{ مَّنَاسِكَكُمْ } : المناسك جمع ( مَنْسَك ) الذي هو المصدر بمنزلة النسك ، أي إذا قضيتم عباداتكم التي أمرتم بها في الحج ، وإن جعلتها جمع ( مَنْسَك ) الذي هو موضع العبادة كان التقدير : فإذا قضيتم أعمال مناسككم فيكون من باب حذف المضاف أفاده الفخر .
{ خَلاَقٍ } : أي نصيب وقد تقدم ، ومعنى الآية : ليس له في الآخرة نصيب من رحمة الله .
المعنى الإجمالي
أمر الله المؤمنين بإتمام الحج والعمرة ، وأداء المناسك على الوجه الأكمل ابتغاء وجه الله ، فإذا مُنع المحرم من إتمام النسك بسبب عدوٍ أو مرض ، وأراد أن يتحلل فعليه أن يذبح ما تيسّر له من بدنة ، أو بقرة ، أو شاة ، ونهى تعالى عن الحلق والتحلل قبل بلوغ الهدي المكان الذي يحل ذبحه فيه ، أمّا من كان مريضاً أو به أذى في رأسه فإنه يحلق وعليه فدية ، إمّا صيام ثلاثة أيام ، أو يذبح شاة ، أو يتصدق على ستة مساكين ، لكن مسكين فدية ، صاعٍ من طعام فمن اعتمر في أشهر الحج واستمتع بما يستمتع به غير المحرم من الطيب والنساء وغيرها فعليه ما استيسر من الهدي شكر الله تعالى ، فمن لم يجد الهدي فعليه صيام عشرة أيام ، ثلاثة حين يحرم بالحج وسبعة إذا رجع إلى وطنه . ذلك التمتع خاص بغير أهل الحرم ، أما أهل الحرم فليس لهم تمتع وليس عليهم هدي .
ثم بيّن تعالى أشهر الحج وهي ( شوال ، وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة ) وأمر من ألزم نفسه الحج بالتجرد عن عاداته ، وعن التمتع بنعيم الدنيا ، لأنه مقبل على الله ، قاصد لرضاه ، فعليه أن يترك النساء والاستمتاع بهن ، وأن يترك المعاصي والنزاع والجدال مع الناس ، وأن يتزود من الأعمال الصالحة التي تقربه من الله .
ثم أبان تعالى أن الكسب في أيام الحج غير محظور ، وأن التجارة الدنيوية لا تنافي العبادة الدينية ، وقد كان الناس يتأثمون من كل عمل دنيوي أيام الحج ، فأعلمهم الله أن الكسب فضل من الله لا جناح فيه مع الإخلاص ثم أمر تعالى الناس بعد الدفع من عرفات ، أن يذكروا الله عند المشعر الحرام ، بالدعاء والتكبير والتلبية ، ون يشكروه على نعمة الإيمان ، فإذا فرغوا من مناسك الحج ، فليكثروا ذكر الله وليبالغوا فيه كما كانوا يفعلون بذكر آبائهم ومفاخرهم .
روي عن ابن عباس أنه قال : « كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم ، يتفاخرون بمآثر آبائهم ، يقول الرجل منهم : كان أبي يُطعم ، ويحمل الحمالات ، ويحمل الديات ، ليس لهم ذكرٌ غير فعال آبائهم فأنزل الله { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فاذكروا الله كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً } .
(1/103)
وجه الارتباط بالآيات السابقة
ذكرت أحكام الحج بعد ذكر أحكام الصيام ، لأن شهوره تأتي مباشرة بعد شهر الصيام ، وأما آيات القتال السابقة فقد نزلت في بيان أحكام الأشهر الحرم ، والإحرام ، والمسجد الحرام ، ولما كان عليه السلام قد أراد العمرة وصدّه المشركون أول مرة بالحديبية ، وأراد القضاء في العام القابل ، وخاف أصحابه غدر المشركين بهم أنزل الله أحكام القتال ، ثم عاد الكلام إلى إتمام أحكام الحج فهذا هو وجه الارتباط والله تعالى أعلم .
سبب النزول
أولاً : عن كعب بن عُجرة رضي الله عنه قال : « حُملتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي ، فقال : ما كنتُ أرى أن الجهد بلغ بك هذا!! أما تجد شاة؟ قلت : لا ، قال : صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، لكل مساكين نصف صاع من طعام واحلق رأسك » فنزلت { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ } قال فنزلت فيّ خاصة وهي لكم عامة .
ثانياً : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودن ، ويقولون : نحو المتوكلون فيسألون الناس ، فأنزل الله تعالى { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى } .
ثالثاً : عن عائشة رضي الله عنها قالت : « كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة ، وكانوا يسمون الحس ، وسائر العرب يقفون بعرفات ، » فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه أن يأتي عرفات ثم يقف بها يفيض منها فذلك قوله : { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ الناس } .
وفي رواية كانوا يقولون : « نحن أهل الله وقطّان حرمه فلا نخرج منه ولا نفيض إلا من الحرم » .
وجوه القراءات
1 - قرأ الجمهور ( أو نُسُكٍ ) بضم النون والسين ، وقرأ الحسن ( أو نُسْكٍ ) بسكون السين .
2 - قرأ الجمهور ( فلا رفثَ ولا فسوقَ ولا جدال في الحج ) بالفتح في الجميع ، وقرأ أبو جعفر وابن كثير بالرفع في الجميع ( فلا رفثٌ ولا فسوقٌ ولا جدالٌ في الحج ) .
وجوه الإعراب
1 - قوله تعالى : { فَمَا استيسر مِنَ الهدي } قال الزمخشري : رفع بالابتداء أي فعليه ما استيسر ، أو نصب على تقدير : فاهدوا ما استيسر .
2 - قوله تعالى : { الحج أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } ( الحج ) مبتدأ و ( أشهرٌ ) الخبر ، والتقدير : أشهر الحج أشهر معلومات كقولهم : البرد شهران أي وقت البرد شهران .
أقول : إنما قدّر العلماء ذلك لأنه من المعلوم أن الحج ليس نفس الأشهر .
3 - قوله تعالى : { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ } ( لا ) نافية للجنس ( رفث ) اسمها و ( في الحج ) الخبر و ( لا ) مكررة للتوكيد في المعنى وهو خبر يفيد النهي أي لا ترفثوا ولا تفسقوا .
4 - قوله تعالى : { واذكروه كَمَا هداكم } الكاف نعت لمصدر محذوف و ( ما ) مصدرية والتقدير اذكروه ذكراً حسناً كما هداكم هدايةً حسنة ، ويجوز أن تكون الكاف بمعنى ( على ) والتقدير : اذكروا الله على ما هداكم ، وقوله تعالى { وَإِن كُنْتُمْ } إنْ مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة .
ذكرت أحكام الحج بعد ذكر أحكام الصيام ، لأن شهوره تأتي مباشرة بعد شهر الصيام ، وأما آيات القتال السابقة فقد نزلت في بيان أحكام الأشهر الحرم ، والإحرام ، والمسجد الحرام ، ولما كان عليه السلام قد أراد العمرة وصدّه المشركون أول مرة بالحديبية ، وأراد القضاء في العام القابل ، وخاف أصحابه غدر المشركين بهم أنزل الله أحكام القتال ، ثم عاد الكلام إلى إتمام أحكام الحج فهذا هو وجه الارتباط والله تعالى أعلم .
سبب النزول
أولاً : عن كعب بن عُجرة رضي الله عنه قال : « حُملتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي ، فقال : ما كنتُ أرى أن الجهد بلغ بك هذا!! أما تجد شاة؟ قلت : لا ، قال : صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، لكل مساكين نصف صاع من طعام واحلق رأسك » فنزلت { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ } قال فنزلت فيّ خاصة وهي لكم عامة .
ثانياً : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودن ، ويقولون : نحو المتوكلون فيسألون الناس ، فأنزل الله تعالى { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى } .
ثالثاً : عن عائشة رضي الله عنها قالت : « كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة ، وكانوا يسمون الحس ، وسائر العرب يقفون بعرفات ، » فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه أن يأتي عرفات ثم يقف بها يفيض منها فذلك قوله : { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ الناس } .
وفي رواية كانوا يقولون : « نحن أهل الله وقطّان حرمه فلا نخرج منه ولا نفيض إلا من الحرم » .
وجوه القراءات
1 - قرأ الجمهور ( أو نُسُكٍ ) بضم النون والسين ، وقرأ الحسن ( أو نُسْكٍ ) بسكون السين .
2 - قرأ الجمهور ( فلا رفثَ ولا فسوقَ ولا جدال في الحج ) بالفتح في الجميع ، وقرأ أبو جعفر وابن كثير بالرفع في الجميع ( فلا رفثٌ ولا فسوقٌ ولا جدالٌ في الحج ) .
وجوه الإعراب
1 - قوله تعالى : { فَمَا استيسر مِنَ الهدي } قال الزمخشري : رفع بالابتداء أي فعليه ما استيسر ، أو نصب على تقدير : فاهدوا ما استيسر .
2 - قوله تعالى : { الحج أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } ( الحج ) مبتدأ و ( أشهرٌ ) الخبر ، والتقدير : أشهر الحج أشهر معلومات كقولهم : البرد شهران أي وقت البرد شهران .
أقول : إنما قدّر العلماء ذلك لأنه من المعلوم أن الحج ليس نفس الأشهر .
3 - قوله تعالى : { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ } ( لا ) نافية للجنس ( رفث ) اسمها و ( في الحج ) الخبر و ( لا ) مكررة للتوكيد في المعنى وهو خبر يفيد النهي أي لا ترفثوا ولا تفسقوا .
4 - قوله تعالى : { واذكروه كَمَا هداكم } الكاف نعت لمصدر محذوف و ( ما ) مصدرية والتقدير اذكروه ذكراً حسناً كما هداكم هدايةً حسنة ، ويجوز أن تكون الكاف بمعنى ( على ) والتقدير : اذكروا الله على ما هداكم ، وقوله تعالى { وَإِن كُنْتُمْ } إنْ مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة .
(1/104)
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : الهديُ يطلق على الحيوان الذي يسوقه الحاج أو المعتمر هديّة لأهل الحرم من غير سببٍ موجب ، وهذا ليس مراداً هنا ، ويطلق على ما وجب على الحاج أو المعتمر بسبب موجب كترك واجب أو فعل شيء محظوراً ، أو كالإحصار والتمتع وهذا هو المراد في الآية الكريمة .
اللطيفة الثانية : المراد بإتمام الحج والعمرة الإتيان بهما تامين كاملين بمناسكهما وشرائطهما ظاهراً بأداء المناسك على وجهها ، وباطناً بالإخلاص لله تعالى من غير رياءٍ ولا سمعة قال الشاعر :
إذا حججتَ بمال أصله سُحُتٌ ... فما حججتَ ولكنْ حجّت العير
لا يقبل الله إلا كل خالصةٍ ... ما كلّ من حج بيت الله مبرور
اللطيفة الثالثة : في قوله تعالى : { أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ } فيه مجاز بالحذف تقديره : فحلق ففدية من صيام ، فحذف « فحلق » اختصاراً ، فهو مثل قوله تعالى في آية الصيام { فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ البقرة : 184 ] حذف كلمة ( فأفطر ) اختصاراً لدلالة اللفظ عليه .
اللطيفة الرابعة : التوكيد طريقة مشهورة في كل العرب فقوله تعالى : { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } جاء على طريقهم في التوكيد ، مثل قوله : { ولكن تعمى القلوب التي فِي الصدور } [ الحج : 46 ] وقوله : { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } [ الأنعام : 38 ] وقوله : { ذلكم قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ } [ الأحزاب : 4 ] وفيه فائدة دفع التوهم إذ أن بعض العرب يستعملون عدد السبعة للكثرة في الآحاد ، كما يستعملون عدد السبعين لغاية الكثرة ، فلئلا يتوهم السامع ذلك قال ( عشرة كاملة ) فتنبه له .
اللطيفة الخامسة : قوله تعالى : { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ الناس } كانت قريش لا تخرج من الحرم وتقول : لسنا كسائر الناس ، نحن أهل الله وقطّان حرمه فلا نخرج منه ، وكان الناس يقفون خارج الحرم ويُفيضون منه فأمرهم الله أن يقفوا حيث يقف الناس ، ويفيضوا من حيث أفاض الناس ، أفاده ابن قتيبة .
اللطيفة السادسة : من بلاغة الإيجاز في الآية التصريح في مقام الإضمار ، بذكر الحج ثلاث مرات في قوله تعالى : { الحج أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحج } فالمراد بالأول زمان الحج ، وبالثاني الحج نفسه المسمّى بالنسك ، وبالثالث ما يعم الزمان والمكان وهو ( الحرم ) ولو قال : فمن فرضه فيهن فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فيه ، لم يؤدّ هذه المعاني كلها ، وجاء بصيغة النفي لأنه أبلغ في النهي .
قال أبو السعود : « وإيثار النفي للمبالغة في النهي ، والدلالة على أن ذلك حقيق بألاّ يكون » .
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل العمرة واجبة كالحج؟
اختلف الفقهاء في حكم العمرة ، فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنها واجبة كالحج ، وهو مروي عن ( علي ) و ( ابن عمر ) و ( ابن عباس ) .
وذهب المالكية والحنفية إلى أنها سنة ، وهو مروي عن ( ابن مسعود ) و ( جابر بن عبد الله ) .
اللطيفة الأولى : الهديُ يطلق على الحيوان الذي يسوقه الحاج أو المعتمر هديّة لأهل الحرم من غير سببٍ موجب ، وهذا ليس مراداً هنا ، ويطلق على ما وجب على الحاج أو المعتمر بسبب موجب كترك واجب أو فعل شيء محظوراً ، أو كالإحصار والتمتع وهذا هو المراد في الآية الكريمة .
اللطيفة الثانية : المراد بإتمام الحج والعمرة الإتيان بهما تامين كاملين بمناسكهما وشرائطهما ظاهراً بأداء المناسك على وجهها ، وباطناً بالإخلاص لله تعالى من غير رياءٍ ولا سمعة قال الشاعر :
إذا حججتَ بمال أصله سُحُتٌ ... فما حججتَ ولكنْ حجّت العير
لا يقبل الله إلا كل خالصةٍ ... ما كلّ من حج بيت الله مبرور
اللطيفة الثالثة : في قوله تعالى : { أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ } فيه مجاز بالحذف تقديره : فحلق ففدية من صيام ، فحذف « فحلق » اختصاراً ، فهو مثل قوله تعالى في آية الصيام { فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ البقرة : 184 ] حذف كلمة ( فأفطر ) اختصاراً لدلالة اللفظ عليه .
اللطيفة الرابعة : التوكيد طريقة مشهورة في كل العرب فقوله تعالى : { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } جاء على طريقهم في التوكيد ، مثل قوله : { ولكن تعمى القلوب التي فِي الصدور } [ الحج : 46 ] وقوله : { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } [ الأنعام : 38 ] وقوله : { ذلكم قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ } [ الأحزاب : 4 ] وفيه فائدة دفع التوهم إذ أن بعض العرب يستعملون عدد السبعة للكثرة في الآحاد ، كما يستعملون عدد السبعين لغاية الكثرة ، فلئلا يتوهم السامع ذلك قال ( عشرة كاملة ) فتنبه له .
اللطيفة الخامسة : قوله تعالى : { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ الناس } كانت قريش لا تخرج من الحرم وتقول : لسنا كسائر الناس ، نحن أهل الله وقطّان حرمه فلا نخرج منه ، وكان الناس يقفون خارج الحرم ويُفيضون منه فأمرهم الله أن يقفوا حيث يقف الناس ، ويفيضوا من حيث أفاض الناس ، أفاده ابن قتيبة .
اللطيفة السادسة : من بلاغة الإيجاز في الآية التصريح في مقام الإضمار ، بذكر الحج ثلاث مرات في قوله تعالى : { الحج أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحج } فالمراد بالأول زمان الحج ، وبالثاني الحج نفسه المسمّى بالنسك ، وبالثالث ما يعم الزمان والمكان وهو ( الحرم ) ولو قال : فمن فرضه فيهن فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فيه ، لم يؤدّ هذه المعاني كلها ، وجاء بصيغة النفي لأنه أبلغ في النهي .
قال أبو السعود : « وإيثار النفي للمبالغة في النهي ، والدلالة على أن ذلك حقيق بألاّ يكون » .
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل العمرة واجبة كالحج؟
اختلف الفقهاء في حكم العمرة ، فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنها واجبة كالحج ، وهو مروي عن ( علي ) و ( ابن عمر ) و ( ابن عباس ) .
وذهب المالكية والحنفية إلى أنها سنة ، وهو مروي عن ( ابن مسعود ) و ( جابر بن عبد الله ) .
(1/105)
أدلة الشافعية والحنابلة :
استدل الشافعية والحنابلة على مذهبهم ببعضة أدلة نوجزها فيما يلي :
أولاً - قوله تعالى : { وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة للَّهِ } فقد أمرت الآية بالإتمام وهو فعل الشيء والإتيان به كاملاً تاماً فدل على الوجوب .
ثانياً - ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال لأصحابه « مَن كان معه هدي فليهلّ بحجة وعمرة » .
ثالثاً - ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : « دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة » .
أدلة المالكية والحنفية :
واستدل المالكية والحنفية على أن العمرة سنة بما يلي :
أولاً : عدم ذكر العمرة في الآيات التي دلت على فريضة الحج مثل قوله تعالى : { وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت } [ آل عمران : 97 ] وقوله جل ثناؤه : { وَأَذِّن فِي الناس بالحج . . . } [ الحج : 27 ] الآية .
ثانياً : قالوا إن الأحاديث الصحيحة التي بيّنت قواعد الإسلام لم يرد فيها ذكر العمرة ، فدل ذلك على أن العمرة ليست بفريضة ، وأنها تختلف في الحكم عن الحج .
ثالثاً : ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « الحج جهادٌ والعمرة تطوع » .
رابعاً : ما روي عن جابر بن عبد الله « أنّ رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي؟ قال : لا ، وأن تعتمروا خير لكم » .
خامساً : وأجابوا عن الآية والأحاديث التي استدل بها الشافعية فقالوا : إنها محمولة على ما كان بعد الشروع ، فإن التعبير بالإتمام مشعر بأنه كان قد شرع فيه ، وهذا يجب بالاتفاق .
قال العلامة الشوكاني : « وهذا وإن كان فيه بعد ، لكنه يجب المصير إليه جمعاً بين الأدلة ، ولا سيما بعد تصريحه صلى الله عليه وسلم بما تقدم في حديث جابر من عدم الوجوب ، وعلى هذا يحمل ما ورد مما فيه دلالة على وجوبها » .
أقول : لعل هذا الرأي يكون أرجح والله تعالى أعلم .
الحكم الثاني : هل الإحصار يشمل المرض والعدو؟
اختلف العلماء في السبب الذي يكون به الإحصار ، والذي يبيح للمحرم التحلل من الإحرام .
فذهب الجمهور ( مالك والشافعي وأحمد ) إلى أن الإحصار لا يكون إلا بالعدو ، لأن الآية نزلت في إحصار النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية ، عندما منع من دخول مكة هو وأصحابه وكانوا محرمين بالعمرة .
وقال ابن عباس : لا حصر إلا حصر العدو .
وذهب أبو حنيفة : إلى أن الإحصار يكون من كل حابس يحبس الحاج عن البيت من عدوٍ ، أو مرضٍ ، أو خوفٍ ، أو ذهاب نفقة ، أو ضلال راحلةٍ ، أو موت محرم الزوجة في الطريق ، وغير ذلك من الأعذار المانعة .
وحجته : ظاهر الآية { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } فإن الإحصار - كما يقول أهل اللغة - يكون بالمرض ، وأما الحصر ( المنع والحبس ) فيكون العدو ، فلما قال تعالى : { أُحْصِرْتُمْ } ولم يقل ( حصرتم ) دلّ على أنه أراد ما يعم المرض والعدو .
استدل الشافعية والحنابلة على مذهبهم ببعضة أدلة نوجزها فيما يلي :
أولاً - قوله تعالى : { وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة للَّهِ } فقد أمرت الآية بالإتمام وهو فعل الشيء والإتيان به كاملاً تاماً فدل على الوجوب .
ثانياً - ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال لأصحابه « مَن كان معه هدي فليهلّ بحجة وعمرة » .
ثالثاً - ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : « دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة » .
أدلة المالكية والحنفية :
واستدل المالكية والحنفية على أن العمرة سنة بما يلي :
أولاً : عدم ذكر العمرة في الآيات التي دلت على فريضة الحج مثل قوله تعالى : { وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت } [ آل عمران : 97 ] وقوله جل ثناؤه : { وَأَذِّن فِي الناس بالحج . . . } [ الحج : 27 ] الآية .
ثانياً : قالوا إن الأحاديث الصحيحة التي بيّنت قواعد الإسلام لم يرد فيها ذكر العمرة ، فدل ذلك على أن العمرة ليست بفريضة ، وأنها تختلف في الحكم عن الحج .
ثالثاً : ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « الحج جهادٌ والعمرة تطوع » .
رابعاً : ما روي عن جابر بن عبد الله « أنّ رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي؟ قال : لا ، وأن تعتمروا خير لكم » .
خامساً : وأجابوا عن الآية والأحاديث التي استدل بها الشافعية فقالوا : إنها محمولة على ما كان بعد الشروع ، فإن التعبير بالإتمام مشعر بأنه كان قد شرع فيه ، وهذا يجب بالاتفاق .
قال العلامة الشوكاني : « وهذا وإن كان فيه بعد ، لكنه يجب المصير إليه جمعاً بين الأدلة ، ولا سيما بعد تصريحه صلى الله عليه وسلم بما تقدم في حديث جابر من عدم الوجوب ، وعلى هذا يحمل ما ورد مما فيه دلالة على وجوبها » .
أقول : لعل هذا الرأي يكون أرجح والله تعالى أعلم .
الحكم الثاني : هل الإحصار يشمل المرض والعدو؟
اختلف العلماء في السبب الذي يكون به الإحصار ، والذي يبيح للمحرم التحلل من الإحرام .
فذهب الجمهور ( مالك والشافعي وأحمد ) إلى أن الإحصار لا يكون إلا بالعدو ، لأن الآية نزلت في إحصار النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية ، عندما منع من دخول مكة هو وأصحابه وكانوا محرمين بالعمرة .
وقال ابن عباس : لا حصر إلا حصر العدو .
وذهب أبو حنيفة : إلى أن الإحصار يكون من كل حابس يحبس الحاج عن البيت من عدوٍ ، أو مرضٍ ، أو خوفٍ ، أو ذهاب نفقة ، أو ضلال راحلةٍ ، أو موت محرم الزوجة في الطريق ، وغير ذلك من الأعذار المانعة .
وحجته : ظاهر الآية { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } فإن الإحصار - كما يقول أهل اللغة - يكون بالمرض ، وأما الحصر ( المنع والحبس ) فيكون العدو ، فلما قال تعالى : { أُحْصِرْتُمْ } ولم يقل ( حصرتم ) دلّ على أنه أراد ما يعم المرض والعدو .
(1/106)
واستدل بما روي عن ابن مسعود أنه أفتى رجلاً لدغ بأنه محصر وأمره أن يحل .
وحجة الجمهور أن الله تعالى ذكر في الآية قوله : { فَإِذَآ أَمِنتُمْ } وهو يدل على أنه حصر العدو لا حصر المرض ، ولو كان من المرض لقال : ( فإذا برأتم ) ولقول ابن عباس : لا حضر إلا حصر العدو ، فقيّد إطلاق الآية وهو أعلم بالتنزيل .
الترجيح : ولعلّ ما ذهب إليه الحنفية يكون أرجح ، فهو الموافق لظاهر الآية الكريمة ، والموافق ليسر الإسلام وسماحته ، وقد اعتضد بأقوال أهل اللغة ، فإنهم جميعاً متفقون على أن ( الإحصار ) يكون بالمرض ، و ( الحصر ) يكون بالعدو ، والآية بظاهرها تميل إلى التيسير ، فإن المريض الذي يشتد مرضه كيف يمكنه إتمام المناسك! والشخص الذي تضل راحلته ، أو تضيع نقوده كيف يستطيع متابعة السفر ، مع أنه لم يعد يملك نفقة ولا زاداً؟ وهل يكلفه الإسلام أن يستجدي من الناس؟!
وهذا الذي رجحناه هو الذي اختاره شيخ المفسرين ( ابن جرير الطبري ) رحمه الله حيث قال ما نصه : « وأولى التأويلين بالصواب في قوله : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } تأويل من تأوله بمعنى : فإن أحصركم خوف عدو ، أو مرض ، أو علة من الوصول إلى البيت ، أي صيّركم خوفكم أو مرضكم تحصرون أنفسكم . ولو كان معنى الآية ما ظنه المتأول من قوله : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } فإن حبسكم حابسٌ من العدو عن الوصول إلى البيت ، لوجب أن يكون : فإن حصرتم » .
أقول ويؤيده ما روي في « الصحيحين » عن عائشة رضي الله عنها قالت : « دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضُباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ، فقالت : يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حُجّي واشترطي أن مَحَلّي حيث حبستني » فقد دل على أن المرض من الأسباب المبيحة للتحلل ، وهذا ما يتفق مع سماحة الإسلام ويسر أحكامه .
الحكم الثالث : ماذا يجب على المحصر ، وأين موضع ذبح الهدي؟
الآية الكريمة صريحة في أن على ( المحصر ) أن يذبح الهدي لقوله تعالى : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا استيسر مِنَ الهدي } وأقله شاة ، والأفضل بقرة أو بدنة ، وإنما تجزئ الشاة لقوله تعالى : { فَمَا استيسر } وهذا رأي جمهور الفقهاء ، وروي عن ابن عمر أنه قال : بدنة أو بقرة ولا تجزئ الشاة ، والصحيح رأي الجمهور .
وأما المكان : الذي يذبح فيه هدي الإحصار فقد اختلف العلماء فيه على أقوال :
فقال الجمهور ( الشافعي ومالك وأحمد ) : هو موضع الحصر ، سواءً كان حلاً أو حرماً .
وقال أبو حنيفة : لا ينحره إلا في الحرم لقوله تعالى : { ثُمَّ مَحِلُّهَآ إلى البيت العتيق } [ الحج : 33 ] .
وقال ابن عباس : إذا كان يستطيع البعث به إلى الحرم وجب عليه ، وإلاّ ينحره في محل إحصاره .
وحجة الجمهور أن الله تعالى ذكر في الآية قوله : { فَإِذَآ أَمِنتُمْ } وهو يدل على أنه حصر العدو لا حصر المرض ، ولو كان من المرض لقال : ( فإذا برأتم ) ولقول ابن عباس : لا حضر إلا حصر العدو ، فقيّد إطلاق الآية وهو أعلم بالتنزيل .
الترجيح : ولعلّ ما ذهب إليه الحنفية يكون أرجح ، فهو الموافق لظاهر الآية الكريمة ، والموافق ليسر الإسلام وسماحته ، وقد اعتضد بأقوال أهل اللغة ، فإنهم جميعاً متفقون على أن ( الإحصار ) يكون بالمرض ، و ( الحصر ) يكون بالعدو ، والآية بظاهرها تميل إلى التيسير ، فإن المريض الذي يشتد مرضه كيف يمكنه إتمام المناسك! والشخص الذي تضل راحلته ، أو تضيع نقوده كيف يستطيع متابعة السفر ، مع أنه لم يعد يملك نفقة ولا زاداً؟ وهل يكلفه الإسلام أن يستجدي من الناس؟!
وهذا الذي رجحناه هو الذي اختاره شيخ المفسرين ( ابن جرير الطبري ) رحمه الله حيث قال ما نصه : « وأولى التأويلين بالصواب في قوله : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } تأويل من تأوله بمعنى : فإن أحصركم خوف عدو ، أو مرض ، أو علة من الوصول إلى البيت ، أي صيّركم خوفكم أو مرضكم تحصرون أنفسكم . ولو كان معنى الآية ما ظنه المتأول من قوله : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } فإن حبسكم حابسٌ من العدو عن الوصول إلى البيت ، لوجب أن يكون : فإن حصرتم » .
أقول ويؤيده ما روي في « الصحيحين » عن عائشة رضي الله عنها قالت : « دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضُباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ، فقالت : يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حُجّي واشترطي أن مَحَلّي حيث حبستني » فقد دل على أن المرض من الأسباب المبيحة للتحلل ، وهذا ما يتفق مع سماحة الإسلام ويسر أحكامه .
الحكم الثالث : ماذا يجب على المحصر ، وأين موضع ذبح الهدي؟
الآية الكريمة صريحة في أن على ( المحصر ) أن يذبح الهدي لقوله تعالى : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا استيسر مِنَ الهدي } وأقله شاة ، والأفضل بقرة أو بدنة ، وإنما تجزئ الشاة لقوله تعالى : { فَمَا استيسر } وهذا رأي جمهور الفقهاء ، وروي عن ابن عمر أنه قال : بدنة أو بقرة ولا تجزئ الشاة ، والصحيح رأي الجمهور .
وأما المكان : الذي يذبح فيه هدي الإحصار فقد اختلف العلماء فيه على أقوال :
فقال الجمهور ( الشافعي ومالك وأحمد ) : هو موضع الحصر ، سواءً كان حلاً أو حرماً .
وقال أبو حنيفة : لا ينحره إلا في الحرم لقوله تعالى : { ثُمَّ مَحِلُّهَآ إلى البيت العتيق } [ الحج : 33 ] .
وقال ابن عباس : إذا كان يستطيع البعث به إلى الحرم وجب عليه ، وإلاّ ينحره في محل إحصاره .
(1/107)
قال الإمام الفخر : « ومنشأ الخلاف البحث في تفسير هذه الآية ، فقال الشافعي : المحِلّ في هذه الآية اسم للزمان الذي يحصل فيه التحلل ، وقال أبو حنيفة : إنه اسم للمكان » .
الترجيح : والراجح رأي الجمهور اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أحصر بالحديبية ونحر بها وهي ليست من الحرم ، فدلّ على أن المحصر ينحر حيث يحل في حرمٍ أو حل ، وأما قوله تعالى : { هَدْياً بَالِغَ الكعبة } [ المائدة : 95 ] وقوله : { ثُمَّ مَحِلُّهَآ إلى البيت العتيق } [ الحج : 33 ] فذلك - كما يقول الشوكاني - في الآمن الذي يمكنه الوصول إلى البيت ، والله تعالى أعلم .
الحكم الرابع : ما هو حكم المتمتع الذي لا يجد الهدي؟
دل قوله تعالى : { فَمَن تَمَتَّعَ بالعمرة إِلَى الحج فَمَا استيسر مِنَ الهدي } على وجوب دم الهدي على المتمتع ، فإذا لم يجد الدم - إما لعدم المال ، أو لعدم الحيوان - صام ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله .
وقد اختلف الفقهاء في هذا الصيام في قوله تعالى : { فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحج . . . } الآية .
فقال أبو حنيفة : المراد في أشهر الحج وهو ما بين الإحرامين ( إحرام العمرة ) و ( إحرام الحج ) فإذا انتهى من عمرته حلّ له الصيام وإن لم يحرم بعد بالحج ، والأفضل أن يصوم يوم التروية ، ويوم عرفة ، ويوماً قبلهما يعني ( السابع ، والثامن ، والتاسع ) من ذي الحجة .
وقال الشافعي : لا يصح صومه إلا بعد الإحرام في الحج لقوله تعالى : { فِي الحج } وهي من عند شروعه في الإحرام إلى يوم النحر ، والأصح أنها لا تجوز يوم النحر ، ولا أيام التشريق ، والمستحب أن تكون في العشر من ذي الحجة قبل يوم عرفة .
ويرى بعض العلماء أن من لم يصم هذه الأيام قبل العيد ، فله أن يصومها في أيام التشريق ، لقول عائشة وابن عمر رضي الله عنهما « لم يرخص في أيام التشريق أن يُصَمْن إلا لمن لا يجد الهدي » .
ومنشأ الخلاف بين ( الحنفية ) و ( الشافعية ) هو اختلافهم في تفسير قوله تعالى : { ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحج } فالحنفية قالوا في أشهر الحج ، والشافعية قالوا : في إحرام الحج ، وبكلٍ قال بعض الصحابة والتابعين .
وأما السبعة أيام فقد اختلف الفقهاء في وقت صيامها .
فقال الشافعية : وقت صيامها الرجوع إلى الأهل والوطن لقوله تعالى : { وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } .
وقال أحمد بن حنبل : يجزيه أن يصوم في الطريق ولا يشترط أن يصل إلى أهله ووطنه .
وقال أبو حنيفة : المراد من الرجوع الفراغ من أعمال الحج وهو مذهب مالك رحمه الله .
قال الشوكاني : والأول أرجح فقد ثبت في « الصحيح » من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال : « فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة إذا رجع إلى أهله » .
الترجيح : والراجح رأي الجمهور اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أحصر بالحديبية ونحر بها وهي ليست من الحرم ، فدلّ على أن المحصر ينحر حيث يحل في حرمٍ أو حل ، وأما قوله تعالى : { هَدْياً بَالِغَ الكعبة } [ المائدة : 95 ] وقوله : { ثُمَّ مَحِلُّهَآ إلى البيت العتيق } [ الحج : 33 ] فذلك - كما يقول الشوكاني - في الآمن الذي يمكنه الوصول إلى البيت ، والله تعالى أعلم .
الحكم الرابع : ما هو حكم المتمتع الذي لا يجد الهدي؟
دل قوله تعالى : { فَمَن تَمَتَّعَ بالعمرة إِلَى الحج فَمَا استيسر مِنَ الهدي } على وجوب دم الهدي على المتمتع ، فإذا لم يجد الدم - إما لعدم المال ، أو لعدم الحيوان - صام ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله .
وقد اختلف الفقهاء في هذا الصيام في قوله تعالى : { فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحج . . . } الآية .
فقال أبو حنيفة : المراد في أشهر الحج وهو ما بين الإحرامين ( إحرام العمرة ) و ( إحرام الحج ) فإذا انتهى من عمرته حلّ له الصيام وإن لم يحرم بعد بالحج ، والأفضل أن يصوم يوم التروية ، ويوم عرفة ، ويوماً قبلهما يعني ( السابع ، والثامن ، والتاسع ) من ذي الحجة .
وقال الشافعي : لا يصح صومه إلا بعد الإحرام في الحج لقوله تعالى : { فِي الحج } وهي من عند شروعه في الإحرام إلى يوم النحر ، والأصح أنها لا تجوز يوم النحر ، ولا أيام التشريق ، والمستحب أن تكون في العشر من ذي الحجة قبل يوم عرفة .
ويرى بعض العلماء أن من لم يصم هذه الأيام قبل العيد ، فله أن يصومها في أيام التشريق ، لقول عائشة وابن عمر رضي الله عنهما « لم يرخص في أيام التشريق أن يُصَمْن إلا لمن لا يجد الهدي » .
ومنشأ الخلاف بين ( الحنفية ) و ( الشافعية ) هو اختلافهم في تفسير قوله تعالى : { ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحج } فالحنفية قالوا في أشهر الحج ، والشافعية قالوا : في إحرام الحج ، وبكلٍ قال بعض الصحابة والتابعين .
وأما السبعة أيام فقد اختلف الفقهاء في وقت صيامها .
فقال الشافعية : وقت صيامها الرجوع إلى الأهل والوطن لقوله تعالى : { وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } .
وقال أحمد بن حنبل : يجزيه أن يصوم في الطريق ولا يشترط أن يصل إلى أهله ووطنه .
وقال أبو حنيفة : المراد من الرجوع الفراغ من أعمال الحج وهو مذهب مالك رحمه الله .
قال الشوكاني : والأول أرجح فقد ثبت في « الصحيح » من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال : « فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة إذا رجع إلى أهله » .
(1/108)
وثبت أيضاً في الصحيح من حديث ابن عباس بلفظ ( وسبعةٍ إذا رجعتم إلى أمصاركم ) .
الحكم الخامس : ما هي شروط وجوب دم التمتع؟
قال العلماء : يشترط لوجوب دم التمتع خمسة شروط :
الأول : تقديم العمرة على الحج ، فلو حج ثم اعتمر لا يكون متمتعاً .
الثاني : أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج .
الثالث : أن يحج في تلك السنة لقوله تعالى : { فَمَن تَمَتَّعَ بالعمرة إِلَى الحج } .
الرابع : ألا يكون من أهل مكة لقوله تعالى : { ذلك لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المسجد الحرام } .
الخامس : أن يحرم بالحج من مكة ، فإن عاد إلى الميقات فأحرم بالحج لا يلزمه دم التمتع .
وقال المالكية : شروطه ثمانية وهي كالتالي ( 1 - أن يجمع بين الحج والعمر 2 - في سفر واحد 3 - في عام واحد 4 - في أشهر الحج 5 - وأن تقدم العمرة على الحج 6 - وأن يكون إحرام الحج بعد الفراغ من العمرة 7 - وأن تكون العمرة والحج عن شخص واحد 8- وألاَّ يكون من أهل مكة ) .
الحكم السادس : من هم حاضرو المسجد الحرام؟
دل قوله تعالى : { ذلك لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المسجد الحرام } على أنّ أهل الحرم لا متعة لهم ، وهذا مذهب ابن عباس وأبي حنيفة ، وقال ( مالك ، والشافعي ، وأحمد ) إن للمكي أن يتمتع بدون كراهة وليس عليه هدي ولا صيام ، واستدلوا بأن الإشارة تعود إلى أقرب المذكور ، وأقرب المذكور هنا وجوب الهدي أو الصيام على المتمتع ، وأما أبو حنيفة فقد أعاد الإشارة إلى التمتع ، والتقدير : ذلك التمتع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام . وقد اختلفوا في المراد من قوله تعالى : { حَاضِرِي المسجد الحرام } .
فقال مالك : هم أهل مكة بعينها ، واختاره الطحاوي ورجحه .
وقال ابن عباس : هم أهل الحرم ، قال الحافظ : وهو الظاهر .
وقال الشافعي : من كان أهله على أقل مسافة تقصر فيها الصلاة ، واختاره ابن جرير .
وقال أبو حنيفة : هم أهل المواقيت ومن وراءها من كل ناحية .
أقول : لعل ما ذهب إليه المالكية هو الأرجح والله تعالى أعلم .
الحكم السابع : ما هي أشهر الحج؟
واختلف العلماء في المراد من قوله تعالى : { الحج أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } ما هي هذه الأشهر؟
فذهب مالك : إلى أن أشهر الحج ( شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة كلّه ) وهو قول ( ابن عمر ) و ( ابن مسعود ) و ( عطاء ) و ( مجاهد ) .
وذهب الجمهور ( مالك ، والشافعي ، وأحمد ) : إلى أن أشهر الحج ( شوال ، وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة ) وهو قول ابن عباس ، والسدي ، والشعبي ، والنخعي ، وأما وقت العمرة فجميع السنة .
قال الشوكاني : « وتظهر فائدة الخلاف فيما وقع من أعمال الحج بعد يوم النحر ، فمن قال : إنّ ذا الحجة كله من الوقت لم يُلْزمه دم التأخير ، ومن قال : ليس إلا العشر منه قال : يلزم دم التأخير » .
الحكم الخامس : ما هي شروط وجوب دم التمتع؟
قال العلماء : يشترط لوجوب دم التمتع خمسة شروط :
الأول : تقديم العمرة على الحج ، فلو حج ثم اعتمر لا يكون متمتعاً .
الثاني : أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج .
الثالث : أن يحج في تلك السنة لقوله تعالى : { فَمَن تَمَتَّعَ بالعمرة إِلَى الحج } .
الرابع : ألا يكون من أهل مكة لقوله تعالى : { ذلك لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المسجد الحرام } .
الخامس : أن يحرم بالحج من مكة ، فإن عاد إلى الميقات فأحرم بالحج لا يلزمه دم التمتع .
وقال المالكية : شروطه ثمانية وهي كالتالي ( 1 - أن يجمع بين الحج والعمر 2 - في سفر واحد 3 - في عام واحد 4 - في أشهر الحج 5 - وأن تقدم العمرة على الحج 6 - وأن يكون إحرام الحج بعد الفراغ من العمرة 7 - وأن تكون العمرة والحج عن شخص واحد 8- وألاَّ يكون من أهل مكة ) .
الحكم السادس : من هم حاضرو المسجد الحرام؟
دل قوله تعالى : { ذلك لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المسجد الحرام } على أنّ أهل الحرم لا متعة لهم ، وهذا مذهب ابن عباس وأبي حنيفة ، وقال ( مالك ، والشافعي ، وأحمد ) إن للمكي أن يتمتع بدون كراهة وليس عليه هدي ولا صيام ، واستدلوا بأن الإشارة تعود إلى أقرب المذكور ، وأقرب المذكور هنا وجوب الهدي أو الصيام على المتمتع ، وأما أبو حنيفة فقد أعاد الإشارة إلى التمتع ، والتقدير : ذلك التمتع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام . وقد اختلفوا في المراد من قوله تعالى : { حَاضِرِي المسجد الحرام } .
فقال مالك : هم أهل مكة بعينها ، واختاره الطحاوي ورجحه .
وقال ابن عباس : هم أهل الحرم ، قال الحافظ : وهو الظاهر .
وقال الشافعي : من كان أهله على أقل مسافة تقصر فيها الصلاة ، واختاره ابن جرير .
وقال أبو حنيفة : هم أهل المواقيت ومن وراءها من كل ناحية .
أقول : لعل ما ذهب إليه المالكية هو الأرجح والله تعالى أعلم .
الحكم السابع : ما هي أشهر الحج؟
واختلف العلماء في المراد من قوله تعالى : { الحج أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } ما هي هذه الأشهر؟
فذهب مالك : إلى أن أشهر الحج ( شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة كلّه ) وهو قول ( ابن عمر ) و ( ابن مسعود ) و ( عطاء ) و ( مجاهد ) .
وذهب الجمهور ( مالك ، والشافعي ، وأحمد ) : إلى أن أشهر الحج ( شوال ، وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة ) وهو قول ابن عباس ، والسدي ، والشعبي ، والنخعي ، وأما وقت العمرة فجميع السنة .
قال الشوكاني : « وتظهر فائدة الخلاف فيما وقع من أعمال الحج بعد يوم النحر ، فمن قال : إنّ ذا الحجة كله من الوقت لم يُلْزمه دم التأخير ، ومن قال : ليس إلا العشر منه قال : يلزم دم التأخير » .
(1/109)
الحكم الثامن : هل يجوز الإحرام بالحج قبل أشهر الحج؟
اختلف الفقهاء فيم أحرم بالحج قبل أشهر الحج هل يصح إحرامه؟ على أقوال :
الأول : روي عن ابن عباس أنه قال : من سُنّة الحج أن يحرم به في أشهر الحج .
الثاني : فذهب الشافعي أن من أحرم بالحج قبل أشهر الحج لم يجرُّه ذلك ويكون عمرة ، كمن دخل في صلاة قبل وقتها فإنه لا تجزيه وتكون نافلة .
الثالث : مذهب أحمد بن حنبل أنه مكروه فقط ويجوز الإحرام قبل دخول أشهر الحج .
الرابع : مذهب أبي حنيفة جواز الإحرام في الحج في جميع السنة كلها وهو مشهور مذهب مالك ، واستدلوا بقوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهلة قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج } [ البقرة : 189 ] وقالوا : كما صح الإحرام للعمرة في جميع السنة ، كذلك يجوز للحج .
قال العلامة القرطبي : « وما ذهب إليه الشافعي أصح لأن هذه عامة وتلك الآية خاصة والخاص يقدم على العام » وقد مال إلى هذا المذهب الشوكاني ورجحه لأنه موافق لظاهر النص الكريم .
الحكم التاسع : ما هي محرمات الإحرام؟
حظر الشارع على المحرم أشياء كثيرة ، منها ما ثبت بالكتاب ، ومنها ما ثبت بالسنة ، ونحن نذكرها بالإجمال فيما يلي :
أولاً : الجماع ودواعيه ، كالتقبيل ، واللمس بشهوة ، والإفحاش بالكلام ، والحديث مع المرأة الذي يتعلق بالوطء أو مقدماته .
ثانياً : اكتساب السيئات ، واقتراف المعاصي ، التي تخرج الإنسان عن طاعة الله عز وجل .
ثالثاً : المخاصمة والمجادلة مع الرفقاء والخدم وغيرهم .
والأصل في تحريم هذه الأشياء قوله تعالى : { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحج } وهذه كلها بنص الآية الكريمة .
روى البخاري في « صحيحه » عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من حجّ فلم يرفث ، ولم يفسق ، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه » .
وقد ثبت بالسنة بعض المحرمات كالتطيب ، ولبس المخيط ، وتقليم الأظافر ، وقص الشعر أو حلقه ، وانتقاب المرأة ، ولبسها القفازين . . إلى أخر ما هنالك من محرمات وهذه تعرف من كتب الفروع .
الحكم العاشر : ما هو حكم الوقوف بعرفة ، ومتى يبتدئ وقته؟
أجمع العلماء على أن الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « الحج عرفة ، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك » .
ويرى جمهور العلماء أن وقت الوقوف يبتدئ من زوال اليوم التاسع ، إلى طلوع فجر اليوم العاشر ، وأنه يكفي الوقوف في أي جزء من هذا الوقت ليلاً أو نهاراً ، إلا أنه إذا وقف بالنهار وجب عليه مد الوقوف إلى ما بعد الغروب ، أما إذا وقف بالليل فلا يجب عليه شيء .
وقد روي عن الإمام ( مالك ) رحمه الله أنه إذا أفاض قبل غروب الشمس لم يصح حجه وعليه حج قابل ، قال القرطبي : « واختلف الجمهور فيمن أفاض قبل غروب الشمس ولم يرجع ماذا عليه؟
فقال ( الشافعي وأحمد وأبو حنيفة ) عليه دم ، وقال ( مالك ) عليه حج قابل ، والهدي ينحره في حج قابل وهو كمن فاته الحج » .
اختلف الفقهاء فيم أحرم بالحج قبل أشهر الحج هل يصح إحرامه؟ على أقوال :
الأول : روي عن ابن عباس أنه قال : من سُنّة الحج أن يحرم به في أشهر الحج .
الثاني : فذهب الشافعي أن من أحرم بالحج قبل أشهر الحج لم يجرُّه ذلك ويكون عمرة ، كمن دخل في صلاة قبل وقتها فإنه لا تجزيه وتكون نافلة .
الثالث : مذهب أحمد بن حنبل أنه مكروه فقط ويجوز الإحرام قبل دخول أشهر الحج .
الرابع : مذهب أبي حنيفة جواز الإحرام في الحج في جميع السنة كلها وهو مشهور مذهب مالك ، واستدلوا بقوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهلة قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج } [ البقرة : 189 ] وقالوا : كما صح الإحرام للعمرة في جميع السنة ، كذلك يجوز للحج .
قال العلامة القرطبي : « وما ذهب إليه الشافعي أصح لأن هذه عامة وتلك الآية خاصة والخاص يقدم على العام » وقد مال إلى هذا المذهب الشوكاني ورجحه لأنه موافق لظاهر النص الكريم .
الحكم التاسع : ما هي محرمات الإحرام؟
حظر الشارع على المحرم أشياء كثيرة ، منها ما ثبت بالكتاب ، ومنها ما ثبت بالسنة ، ونحن نذكرها بالإجمال فيما يلي :
أولاً : الجماع ودواعيه ، كالتقبيل ، واللمس بشهوة ، والإفحاش بالكلام ، والحديث مع المرأة الذي يتعلق بالوطء أو مقدماته .
ثانياً : اكتساب السيئات ، واقتراف المعاصي ، التي تخرج الإنسان عن طاعة الله عز وجل .
ثالثاً : المخاصمة والمجادلة مع الرفقاء والخدم وغيرهم .
والأصل في تحريم هذه الأشياء قوله تعالى : { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحج } وهذه كلها بنص الآية الكريمة .
روى البخاري في « صحيحه » عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من حجّ فلم يرفث ، ولم يفسق ، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه » .
وقد ثبت بالسنة بعض المحرمات كالتطيب ، ولبس المخيط ، وتقليم الأظافر ، وقص الشعر أو حلقه ، وانتقاب المرأة ، ولبسها القفازين . . إلى أخر ما هنالك من محرمات وهذه تعرف من كتب الفروع .
الحكم العاشر : ما هو حكم الوقوف بعرفة ، ومتى يبتدئ وقته؟
أجمع العلماء على أن الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « الحج عرفة ، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك » .
ويرى جمهور العلماء أن وقت الوقوف يبتدئ من زوال اليوم التاسع ، إلى طلوع فجر اليوم العاشر ، وأنه يكفي الوقوف في أي جزء من هذا الوقت ليلاً أو نهاراً ، إلا أنه إذا وقف بالنهار وجب عليه مد الوقوف إلى ما بعد الغروب ، أما إذا وقف بالليل فلا يجب عليه شيء .
وقد روي عن الإمام ( مالك ) رحمه الله أنه إذا أفاض قبل غروب الشمس لم يصح حجه وعليه حج قابل ، قال القرطبي : « واختلف الجمهور فيمن أفاض قبل غروب الشمس ولم يرجع ماذا عليه؟
فقال ( الشافعي وأحمد وأبو حنيفة ) عليه دم ، وقال ( مالك ) عليه حج قابل ، والهدي ينحره في حج قابل وهو كمن فاته الحج » .
(1/110)
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)
[ 11 ] القتال في الأشهر الحرام
التحليل اللفظي
{ كُرْهٌ } : بضم الكاف أي مكروه لكم تكرهه نفوسكم لما فيه من المشقة ، وُضع المصدر موضع الوصف مبالغةً ، كقوله تعالى : { إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ } [ التوبة : 28 ] وكقول الخنساء :
فإنما هي إقبال وإدبار
قال ابن قتيبة : الكَره بالفتح معناه الإكراه والقهر ، وبالضم معناه المشقة .
{ الشهر الحرام } : الشهر الذي يحرم فيه القتال ، والمراد به هنا شهر رجب ، وكان يدعى { الأصم ) لأنه لم يكن يسمع فيه للسلاح قعقعة تعظيماً له .
{ وَصَدٌّ } : الصدّ : الصرف والمنع يقال : صدّه عن الشيء أي منعه عنه .
{ والفتنة } : أي فتنة المسلمين في دينهم بإلقاء الشبهات في قلوبهم أو بتعذيبهم .
{ يَرْتَدِدْ } : أي يرجع ، والردّة : الرجوع من الإيمان إلى الكفر ، ويُسمى فاعل ذلك مرتداً .
قال الراغب : الارتداد والردة : الرجوع في الطريق الذي جاء منه ، لكن الردة تختص بالكفر ، والارتداد يستعمل فيه وفي غيره قال تعالى : { مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِه } [ المائدة : 54 ] وهو الرجوع من الإسلام إلى الكفر ، وقال تعالى : { فارتدا على آثَارِهِمَا قَصَصاً } [ الكهف : 64 ] .
{ حَبِطَ } : أي فسد وبطل عمله ، قال في « اللسان » : حبَط حبْطاً وحبوطاً : عمل عملاً ثم أفسده ، وفي التنزيل؟ { فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } [ محمد : 28 ] أي أبطل ثوابهم .
قال أهل اللغة : أصل الحَبْط مأخوذ من ( الحَبَط ) وهو أن تأكل الماشية فتكثر حتى تنتفخ لذلك بطونها ، ولا يخرج عنها ما فيها وفي الحديث « وإنّ مما ينبت الربيع ما يقتل حَبَطاً أو يُلمّ » فسمي بطلان العمل بهذا لما فيه من الفساد .
{ هَاجَرُواْ } : الهجرة مفارقة الأهل والوطن في سبيل الله لنصرة دينه .
قال الراغب : الهجرة الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان وأصلها من الهَجْر الذي هو ضد الوصل ، ومنه قيل للكلام القبيح ( هُجْر ) لأنه مما ينبغي أن يُهجر ، والهاجرة : وقت الظهيرة لأنه وقت يهجر فيه العمل .
{ وَجَاهَدُواْ } : الجهاد بذل الوسع والمجهود وأصله من الجهد الذي هو المشقة ، وسمي قتال الأعداء ( جهاداً ) لأن فيه بذل الروح والمال لإعلاء كلمة الله ، ونصرة دينه .
{ يَرْجُونَ } : الرجاء هو الأمل والطمع في حوصل ما فيه نفع .
قال الراغب : الرجاء ظن يقتضي حصول ما فيه مسرة .
وفي « اللسان » : الرجاء من الأمل نقيض اليأس ، وهو بمعنى التوقع والأمل ، قال بشر يخاطب بنته :
فرجّي الخير وانتظري إيابي ... إذا ما القارظ العنزيّ آبا
{ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } : أي واسع المغفرة للتائبين المستغفرين ، عظيم الرحمة بعبادة المؤمنين .
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه : « فُرض عليكم - أيها المؤمنون - قتال الكفار ، وهو شاق عليكم ، تنفر منه الطباع لما فيه من بذل المال وخطر هلال النفس ، ولكن قد تكره نفوسكم شيئاً وفيه كل النفع والخير ، وقد تحب شيئاً وفيه كل الخطر والضرر ، والله يعلم ما هو خير لكم مما هو شر لكم ، فلا تكرهوا ما فرض عليكم من جهاد عدوكم ، فإنه فيه الخير لكم في العاجل والآجل .
التحليل اللفظي
{ كُرْهٌ } : بضم الكاف أي مكروه لكم تكرهه نفوسكم لما فيه من المشقة ، وُضع المصدر موضع الوصف مبالغةً ، كقوله تعالى : { إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ } [ التوبة : 28 ] وكقول الخنساء :
فإنما هي إقبال وإدبار
قال ابن قتيبة : الكَره بالفتح معناه الإكراه والقهر ، وبالضم معناه المشقة .
{ الشهر الحرام } : الشهر الذي يحرم فيه القتال ، والمراد به هنا شهر رجب ، وكان يدعى { الأصم ) لأنه لم يكن يسمع فيه للسلاح قعقعة تعظيماً له .
{ وَصَدٌّ } : الصدّ : الصرف والمنع يقال : صدّه عن الشيء أي منعه عنه .
{ والفتنة } : أي فتنة المسلمين في دينهم بإلقاء الشبهات في قلوبهم أو بتعذيبهم .
{ يَرْتَدِدْ } : أي يرجع ، والردّة : الرجوع من الإيمان إلى الكفر ، ويُسمى فاعل ذلك مرتداً .
قال الراغب : الارتداد والردة : الرجوع في الطريق الذي جاء منه ، لكن الردة تختص بالكفر ، والارتداد يستعمل فيه وفي غيره قال تعالى : { مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِه } [ المائدة : 54 ] وهو الرجوع من الإسلام إلى الكفر ، وقال تعالى : { فارتدا على آثَارِهِمَا قَصَصاً } [ الكهف : 64 ] .
{ حَبِطَ } : أي فسد وبطل عمله ، قال في « اللسان » : حبَط حبْطاً وحبوطاً : عمل عملاً ثم أفسده ، وفي التنزيل؟ { فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } [ محمد : 28 ] أي أبطل ثوابهم .
قال أهل اللغة : أصل الحَبْط مأخوذ من ( الحَبَط ) وهو أن تأكل الماشية فتكثر حتى تنتفخ لذلك بطونها ، ولا يخرج عنها ما فيها وفي الحديث « وإنّ مما ينبت الربيع ما يقتل حَبَطاً أو يُلمّ » فسمي بطلان العمل بهذا لما فيه من الفساد .
{ هَاجَرُواْ } : الهجرة مفارقة الأهل والوطن في سبيل الله لنصرة دينه .
قال الراغب : الهجرة الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان وأصلها من الهَجْر الذي هو ضد الوصل ، ومنه قيل للكلام القبيح ( هُجْر ) لأنه مما ينبغي أن يُهجر ، والهاجرة : وقت الظهيرة لأنه وقت يهجر فيه العمل .
{ وَجَاهَدُواْ } : الجهاد بذل الوسع والمجهود وأصله من الجهد الذي هو المشقة ، وسمي قتال الأعداء ( جهاداً ) لأن فيه بذل الروح والمال لإعلاء كلمة الله ، ونصرة دينه .
{ يَرْجُونَ } : الرجاء هو الأمل والطمع في حوصل ما فيه نفع .
قال الراغب : الرجاء ظن يقتضي حصول ما فيه مسرة .
وفي « اللسان » : الرجاء من الأمل نقيض اليأس ، وهو بمعنى التوقع والأمل ، قال بشر يخاطب بنته :
فرجّي الخير وانتظري إيابي ... إذا ما القارظ العنزيّ آبا
{ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } : أي واسع المغفرة للتائبين المستغفرين ، عظيم الرحمة بعبادة المؤمنين .
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه : « فُرض عليكم - أيها المؤمنون - قتال الكفار ، وهو شاق عليكم ، تنفر منه الطباع لما فيه من بذل المال وخطر هلال النفس ، ولكن قد تكره نفوسكم شيئاً وفيه كل النفع والخير ، وقد تحب شيئاً وفيه كل الخطر والضرر ، والله يعلم ما هو خير لكم مما هو شر لكم ، فلا تكرهوا ما فرض عليكم من جهاد عدوكم ، فإنه فيه الخير لكم في العاجل والآجل .
(1/111)
يسألك أصحابك - يا محمد - عن القتال في الشهر الحرام ، أيحل لهم القتال فيه؟ قل لهم : القتال في نفسه أمر كبير ، ولكن صدّ المشركين عن سبيل الله ، وعن المسجد الحرام ، وكفرهم بالله ، وإخراجكم من البلد الحرام وأنتم أهله وحماته ، كلُّ ذلك أكبرُ جرماً وذنباً عند الله من قتل من قتلتم من المشركين ، وقد كانوا يفتنونكم عن دينكم فذلك أكبر عند الله من القتل ، فإن كنتم قتلتموهم في الشهر الحرام ، فقد ارتكبوا ما هو أشنع وأقبح من ذلك ، حيث فتنوكم عن دينكم ، والفتنة أكبر من القتل .
ثمّ أخبر تعالى بأن المشركين لا يزالون جاهدين في فتنة المؤمنين ، حتى يردوهم عن دينهم إن قدروا على ذلك ، فهم غير نازعين عن كفرهم وإجرامهم ، ومن يستجب لهم منكم فيرجع عن دينه ، فقد بطل عمله وذهب ثوابه ، وأصبح من المخلدين في نار جهنم ، لأنه استجاب لداعي الضلال .
ثم أخبر تعالى أن المؤمنين الذين هاجروا مع رسول الله ، وبذلوا جهدهم في مقاومة الكفار أعداء الله هم الذين يرجون رحمة الله وإحسانه ، وهم جديرون بهذا الفضل والعطاء لأنهم استفرغوا ما في وسعهم ، وبذلوا غاية جهدهم في مرضاة الله ، فحُقَّ لهم أن ينالوا الفوز والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة .
روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ( عبد الله بن جحش ) على سرية في جمادى الآخرة ، قبل قتال بدر بشهرين ، ليترصدوا عيراً لقريش فيها ( عمرو بن عبد الله الحضرمي ) وثلاثة معه ، فقتلوه وأسروا اثنين واستاقوا العير بما فيها من تجارة الطائف ، وكان ذلك أول يوم من رجب وهم يظنونه من جمادى الآخرة ، فقالت قريش : قد استحلّ محمد الشهر الحرام ، شهراً يأمن فيه الخائف ، ويتفرق فيه الناس إلى معايشهم ، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم العير ، وعظم ذلك على أصحاب السرية وقالوا : ما نبرح حتى تنزل توبتنا فنزل قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام قِتَالٍ فِيهِ } قال ابن عباس : لما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنيمة .
وجوه الإعراب
1 - قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام قِتَالٍ فِيهِ } قتالٍ : بدل من الشهر الحرام بدل اشتمال والمعنى : يسألونك عن القتال في الشهر الحرام ، وقال الكسائي : هو مخفوض على التكرير أي عن قتال فيه .
2 - قوله تعالى : { وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ الله } صدّ : مبتدأ و ( عن سبيل الله ) متعلق به ( وكفر ) معطوف عن صدّ ( وإخراج أهله ) معطوف أيضاً ، وخبر الأسماء الثلاثة ( أكبر ) .
قال الزمخشري : ( والمسجد الحرامِ ) عطف على ( سبيل الله ) ولا يجوز أن يعطف على الهاء في ( به ) .
3 - قوله تعالى : { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ } مَنْ : شرطية مبتدأ والخبر هو جملة { فأولائك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } .
ثمّ أخبر تعالى بأن المشركين لا يزالون جاهدين في فتنة المؤمنين ، حتى يردوهم عن دينهم إن قدروا على ذلك ، فهم غير نازعين عن كفرهم وإجرامهم ، ومن يستجب لهم منكم فيرجع عن دينه ، فقد بطل عمله وذهب ثوابه ، وأصبح من المخلدين في نار جهنم ، لأنه استجاب لداعي الضلال .
ثم أخبر تعالى أن المؤمنين الذين هاجروا مع رسول الله ، وبذلوا جهدهم في مقاومة الكفار أعداء الله هم الذين يرجون رحمة الله وإحسانه ، وهم جديرون بهذا الفضل والعطاء لأنهم استفرغوا ما في وسعهم ، وبذلوا غاية جهدهم في مرضاة الله ، فحُقَّ لهم أن ينالوا الفوز والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة .
روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ( عبد الله بن جحش ) على سرية في جمادى الآخرة ، قبل قتال بدر بشهرين ، ليترصدوا عيراً لقريش فيها ( عمرو بن عبد الله الحضرمي ) وثلاثة معه ، فقتلوه وأسروا اثنين واستاقوا العير بما فيها من تجارة الطائف ، وكان ذلك أول يوم من رجب وهم يظنونه من جمادى الآخرة ، فقالت قريش : قد استحلّ محمد الشهر الحرام ، شهراً يأمن فيه الخائف ، ويتفرق فيه الناس إلى معايشهم ، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم العير ، وعظم ذلك على أصحاب السرية وقالوا : ما نبرح حتى تنزل توبتنا فنزل قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام قِتَالٍ فِيهِ } قال ابن عباس : لما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنيمة .
وجوه الإعراب
1 - قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام قِتَالٍ فِيهِ } قتالٍ : بدل من الشهر الحرام بدل اشتمال والمعنى : يسألونك عن القتال في الشهر الحرام ، وقال الكسائي : هو مخفوض على التكرير أي عن قتال فيه .
2 - قوله تعالى : { وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ الله } صدّ : مبتدأ و ( عن سبيل الله ) متعلق به ( وكفر ) معطوف عن صدّ ( وإخراج أهله ) معطوف أيضاً ، وخبر الأسماء الثلاثة ( أكبر ) .
قال الزمخشري : ( والمسجد الحرامِ ) عطف على ( سبيل الله ) ولا يجوز أن يعطف على الهاء في ( به ) .
3 - قوله تعالى : { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ } مَنْ : شرطية مبتدأ والخبر هو جملة { فأولائك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } .
(1/112)
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : كلمة ( عسى ) توهم الشك في أصلها مثل ( لعلّ ) وهي من الله يقين ، قال الخليل : « عسى » من الله واجب في القرآن قال : { فَعَسَى الله أَن يَأْتِيَ بالفتح } [ المائدة : 52 ] وقد وُجد ، و { عَسَى الله أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً } [ يوسف : 83 ] وقد حصل .
اللطيفة الثانية : قال الحسن : لا تكرهوا الشدائد والملمات ، فربّ أمر تكرهه فيه نجاتك ، وربّ أمرٍ تحبه فيه عطبك ، وأنشد أبو سعيد الضرير :
ربّ أمرٍ تتّقيه ... جرّ أمراً ترتضيه
خفي المحبوب منه ... وبدا المكروه فيه
اللطيفة الثالثة : قوله تعالى : { وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ } أي مكروه لكم بالطبع ، لأنه شاق وثقيل على النفس ، وهذه الكراهة الطبيعية لا تنافي الرضا بحكم الله وقضائه كالمريض يشرب الدواء المر البشع الذي تعافه نفسه ، لاعتقاده بما فيه من النفع في العاقبة ، وإنما وضع المصدر في الآية موضع الوصف مبالغة كقوله الخنساء :
فإنما هي إقبال وإدبار
اللطيفة الرابعة : استعظم المشركون القتل في الشهر الحرام ، مع أنهم فعلوا ما هو أفظع وأشنع ، من الصد عن دين الله ، والفتنة للمؤمنين ، وفيهم يقول بعض الشعراء :
تعدون قتلاً في الحرام عظيمة ... وأعظم منه لو يرى الرشدَ راشدُ
صدودكُمُ عمّا يقولُ محمدٌ ... وكفرٌ به واللهُ راءٍ وشاهد
وإخراجكم من مسجد الله أهلَه ... لئلا يُرى لله في البيت ساجدُ
فإنّا وإن عيرتمونا بقتله ... وأرجف بالإسلام باغٍ وحاسد
سقينا من ابن الحضرمي رماحنا ... بنخلةَ لمّا أوقد الحربَ واقد
اللطيفة الخامسة : قال الزمخشري : في قوله تعالى : { إِن اسْتَطَاعُواْ } استبعاد لاستطاعتهم كقول الرجل لعدوه : إن ظفرتَ بي فلا تبق عليّ ، وهو واثق لا يظفر به .
اللطيفة السادسة : التعبير بقوله تعالى : { أولائك يَرْجُونَ رَحْمَتَ الله } فيه لطيفة وهي ألا يتكل الإنسان على عمله ، بل يعتمد على فضل الله كما جاء في الحديث الشريف : « لن يُدخلَ أحدَكُم عملُه الجنة ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلاّ أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل » .
وعن قتادة رضي الله عنه : « هؤلاء خيار هذه الأمة ، ثم جعلهم الله أهل رجاء كما تسمعون ، وإنه من رجا طلب ، ومن خاف هرب » .
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل يباح القتال في الأشهر الحرم؟
دلت هذه الآية على حرمة القتال في الشهر الحرام ، وقد اختلف المفسرون هل بقيت الحرمة أم نسخت؟
فذهب عطاء إلى أن هذه الآية لم تنسخ ، وكان يحلف على ذلك ، كما قال ابن جرير : حلف لي عطاء بالله أنه لا يحل للناس الغزو في الحرم ، ولا في الأشهر الحرم ، إلا على سبيل الدفع .
وذهب الجمهور إلى أن الآية منسوخة ، نسختها آية براءة { فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] وقوله تعالى : { وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً } [ التوبة : 36 ] سئل ( سعيد بن المسيب ) هل يصلح للمسلمين أن يقاتلوا الكفار في الشهر الحرام؟ قال : نعم .
اللطيفة الأولى : كلمة ( عسى ) توهم الشك في أصلها مثل ( لعلّ ) وهي من الله يقين ، قال الخليل : « عسى » من الله واجب في القرآن قال : { فَعَسَى الله أَن يَأْتِيَ بالفتح } [ المائدة : 52 ] وقد وُجد ، و { عَسَى الله أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً } [ يوسف : 83 ] وقد حصل .
اللطيفة الثانية : قال الحسن : لا تكرهوا الشدائد والملمات ، فربّ أمر تكرهه فيه نجاتك ، وربّ أمرٍ تحبه فيه عطبك ، وأنشد أبو سعيد الضرير :
ربّ أمرٍ تتّقيه ... جرّ أمراً ترتضيه
خفي المحبوب منه ... وبدا المكروه فيه
اللطيفة الثالثة : قوله تعالى : { وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ } أي مكروه لكم بالطبع ، لأنه شاق وثقيل على النفس ، وهذه الكراهة الطبيعية لا تنافي الرضا بحكم الله وقضائه كالمريض يشرب الدواء المر البشع الذي تعافه نفسه ، لاعتقاده بما فيه من النفع في العاقبة ، وإنما وضع المصدر في الآية موضع الوصف مبالغة كقوله الخنساء :
فإنما هي إقبال وإدبار
اللطيفة الرابعة : استعظم المشركون القتل في الشهر الحرام ، مع أنهم فعلوا ما هو أفظع وأشنع ، من الصد عن دين الله ، والفتنة للمؤمنين ، وفيهم يقول بعض الشعراء :
تعدون قتلاً في الحرام عظيمة ... وأعظم منه لو يرى الرشدَ راشدُ
صدودكُمُ عمّا يقولُ محمدٌ ... وكفرٌ به واللهُ راءٍ وشاهد
وإخراجكم من مسجد الله أهلَه ... لئلا يُرى لله في البيت ساجدُ
فإنّا وإن عيرتمونا بقتله ... وأرجف بالإسلام باغٍ وحاسد
سقينا من ابن الحضرمي رماحنا ... بنخلةَ لمّا أوقد الحربَ واقد
اللطيفة الخامسة : قال الزمخشري : في قوله تعالى : { إِن اسْتَطَاعُواْ } استبعاد لاستطاعتهم كقول الرجل لعدوه : إن ظفرتَ بي فلا تبق عليّ ، وهو واثق لا يظفر به .
اللطيفة السادسة : التعبير بقوله تعالى : { أولائك يَرْجُونَ رَحْمَتَ الله } فيه لطيفة وهي ألا يتكل الإنسان على عمله ، بل يعتمد على فضل الله كما جاء في الحديث الشريف : « لن يُدخلَ أحدَكُم عملُه الجنة ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلاّ أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل » .
وعن قتادة رضي الله عنه : « هؤلاء خيار هذه الأمة ، ثم جعلهم الله أهل رجاء كما تسمعون ، وإنه من رجا طلب ، ومن خاف هرب » .
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل يباح القتال في الأشهر الحرم؟
دلت هذه الآية على حرمة القتال في الشهر الحرام ، وقد اختلف المفسرون هل بقيت الحرمة أم نسخت؟
فذهب عطاء إلى أن هذه الآية لم تنسخ ، وكان يحلف على ذلك ، كما قال ابن جرير : حلف لي عطاء بالله أنه لا يحل للناس الغزو في الحرم ، ولا في الأشهر الحرم ، إلا على سبيل الدفع .
وذهب الجمهور إلى أن الآية منسوخة ، نسختها آية براءة { فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] وقوله تعالى : { وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً } [ التوبة : 36 ] سئل ( سعيد بن المسيب ) هل يصلح للمسلمين أن يقاتلوا الكفار في الشهر الحرام؟ قال : نعم .
(1/113)
حجة الجمهور أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا ( هوازن ) بحنين ، و ( ثقيفاً ) بالطائف ، وأرسل ( أبا عامر ) إلى أوطاس ليحارب من فيها من المشركين ، وكان ذلك في بعض الأشهر الحرم ، ولو كان القتال فيهن حراماً لما فعله النبي عليه السلام .
قال ابن العربي : « والصحيح أن هذه الآية رد على المشركين حين أعظموا على النبي صلى الله عليه وسلم القتال في الشهر الحرام ، فقال تعالى : { وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ الله وَكُفْرٌ بِهِ . . } فإذا فعلتم ذلك كله في الشهر الحرام تعيّن قتالكم فيه » .
الحكم الثاني : هل الردة تحبط العمل وتذهب بحسنات الإنسان؟
دل قوله تعالى : { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فأولائك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } على أن الردة تُحبط العملَ ، وتُضيع ثواب الأعمال الصالحة ، وقد اختلف العلماء في المرتد هل يحبط عمله بنفس الردة ، أم بالوفاة على الكفر؟
فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن العمل يحبط بنفس الردّة .
وقال الشافعي رحمه الله : لا يبطل العمل إلا بالموت على الكفر .
حجة الشافعي قوله تعالى : { فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ } فقد قيّده بالموت على الكفر ، فإذا أسلم بعد الردة لم يثبت شيء من الأحكام ، لا حبوط العمل ، ولا الخلود في النار .
وحجة مالك وأبي حنيفة قوله تعالى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [ الزمر : 65 ] وقوله { وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } [ المائدة : 5 ] فقد دلت الآيتان على أن الكفر محبط للعمل بدون تقييد بالوفاة على الكفر .
وقد انبنى على ذلك خلافهم في المسلم إذا حجّ ثم ارتد ثم أسلم .
فقال مالك وأبو حنيفة يلزمه إعادة الحج ، لأن ردته أحبطت حجه .
وقال الشافعي : لا حج عليه لأن حجة قد سبق ، والردة لا تحبطه إلا إذا مات على كفره .
قال ابن العربي في تفسيره « أحكام القرآن » : « واستظهر علماؤنا بقول الله تعالى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [ الزمر : 65 ] وقالوا : هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته ، لأنه صلى الله عليه وسلم يستحيل منه الردة ، وإنما ذكر الموافاة ، شرطاً هاهنا لأنه علّق عليها الخلود في النار جزاءً ممن وافى كافراً خلّده في النار بهذه الآية ، ومن أشرك حبط عمله بالآية الأخرى ، فهما آيتان مفيدتان لمعنيين مختلفين ، وحكمين متغايرين » .
أقول : ظواهر النصوص تشير إلى إحباط العمل بالردّة مطلقاً ، فالراجح قول المالكية والحنفية والله أعلم .
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
1 - القتال مكروه للنفوس ولكنه سبيل لنصرة الحق وإعزاز الدين .
2 - لا ينبغي للمؤمن أن يتقاعس عن الجهاد لأن فيه النصر أو الشهادة .
3 - الصد عن دين الله ، والكفر بآيات الله أعظم إثماً من القتال في الشهر الحرام .
4 - الهدف من قتال المشركين للمسلمين ردهم إلى الكفر بشتى الطرق والوسائل .
5 - الردة عن الإسلام تحبط العمل وتخلد الإنسان في نار جهنم .
قال ابن العربي : « والصحيح أن هذه الآية رد على المشركين حين أعظموا على النبي صلى الله عليه وسلم القتال في الشهر الحرام ، فقال تعالى : { وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ الله وَكُفْرٌ بِهِ . . } فإذا فعلتم ذلك كله في الشهر الحرام تعيّن قتالكم فيه » .
الحكم الثاني : هل الردة تحبط العمل وتذهب بحسنات الإنسان؟
دل قوله تعالى : { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فأولائك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } على أن الردة تُحبط العملَ ، وتُضيع ثواب الأعمال الصالحة ، وقد اختلف العلماء في المرتد هل يحبط عمله بنفس الردة ، أم بالوفاة على الكفر؟
فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن العمل يحبط بنفس الردّة .
وقال الشافعي رحمه الله : لا يبطل العمل إلا بالموت على الكفر .
حجة الشافعي قوله تعالى : { فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ } فقد قيّده بالموت على الكفر ، فإذا أسلم بعد الردة لم يثبت شيء من الأحكام ، لا حبوط العمل ، ولا الخلود في النار .
وحجة مالك وأبي حنيفة قوله تعالى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [ الزمر : 65 ] وقوله { وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } [ المائدة : 5 ] فقد دلت الآيتان على أن الكفر محبط للعمل بدون تقييد بالوفاة على الكفر .
وقد انبنى على ذلك خلافهم في المسلم إذا حجّ ثم ارتد ثم أسلم .
فقال مالك وأبو حنيفة يلزمه إعادة الحج ، لأن ردته أحبطت حجه .
وقال الشافعي : لا حج عليه لأن حجة قد سبق ، والردة لا تحبطه إلا إذا مات على كفره .
قال ابن العربي في تفسيره « أحكام القرآن » : « واستظهر علماؤنا بقول الله تعالى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [ الزمر : 65 ] وقالوا : هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته ، لأنه صلى الله عليه وسلم يستحيل منه الردة ، وإنما ذكر الموافاة ، شرطاً هاهنا لأنه علّق عليها الخلود في النار جزاءً ممن وافى كافراً خلّده في النار بهذه الآية ، ومن أشرك حبط عمله بالآية الأخرى ، فهما آيتان مفيدتان لمعنيين مختلفين ، وحكمين متغايرين » .
أقول : ظواهر النصوص تشير إلى إحباط العمل بالردّة مطلقاً ، فالراجح قول المالكية والحنفية والله أعلم .
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
1 - القتال مكروه للنفوس ولكنه سبيل لنصرة الحق وإعزاز الدين .
2 - لا ينبغي للمؤمن أن يتقاعس عن الجهاد لأن فيه النصر أو الشهادة .
3 - الصد عن دين الله ، والكفر بآيات الله أعظم إثماً من القتال في الشهر الحرام .
4 - الهدف من قتال المشركين للمسلمين ردهم إلى الكفر بشتى الطرق والوسائل .
5 - الردة عن الإسلام تحبط العمل وتخلد الإنسان في نار جهنم .
(1/114)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)
[ 12 ] تحريم الخمر والميسر
التحليل اللفظي
{ الخمر } : المسكر من عصير العنب وغيره ، وهي مأخوذة من خَمَر الشيء إذا ستره وغطاه ، سميت خمراً لأنها تستر العقل وتغطيه ، ومنه قولهم : خمّرتُ الإناء أي غطيته .
قال الزجاج : الخمر في اللغة : ما ستر على العقل ، يقال : دخل فلان في خمار الناس أي في الكثير الذي يستتر فيهم ، وخمار المرأة قناعها ، سمي خماراً لأنه يغطي رأسها .
وقال ابن الأنباري : « سميت خمراً لأنها تخامر العقل أي تخالطه ، يقال خامره الداء إذا خالطه ، وأنشد لكثير :
هنيئاً مريئاً غير داءٍ مخامر » ... { والميسر } : القمار ، من اليسر وهو السهولة ، لأنه كسب من غير كدّ ولا تعب ، أو من اليسار ( الغنى ) لأنه سبب يساره .
قال الأزهري : الميسر : الجزور الذي كانوا يتقامرون عليه ، سمي ميسراً لأنه يجزأ أجزاءً ، وكل شيء جزّأته فقد يَسَرْته .
وفي « الصحاح » : ويَسر القوم الجزور إذا اقتسموا أعضاءها .
والياسر : الذي يلي قسمة الجزور .
{ إِثْمٌ } : الإثم : الذنب وجمعه آثام ، يقال : آثم وأثِم ، والآثم المتحمل الإثم قال تعالى : { فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } [ البقرة : 283 ] أفاده الراغب .
وتسمى الخمر ب ( لإثم ) لأنّ شربها سبب في الإثم قال الشاعر :
شربتُ الإثم حتى ضلّ عقلي ... كذاك الإثم تذهب بالعقول
{ العفو } : الفضل والزيادة على الحاجة .
قال القفال : العفو سهُل وتيسُر مما يكون فاضلاً عن الكفاية ، يقال : خذ ما عفا لك أي ما تيسّر .
والمعنى : انفقوا ما فضل عن حوائجكم ولم تُجهدوا فيه أنفسكم .
{ لأَعْنَتَكُمْ } : أي أوقعكم في الحرج والمشقة ، وأصل العنت : المشقة ، يقال : أعنت فلانٌ فلاناً إذا أوقعة فيما لا يستطيع الخروج منه ، وعَنت العظم : إذا انكسر بعد الجبر ، وأكمةٌ عنوت : إذا كانت شاقة كدوداً ، ومنه قوله تعالى : { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } [ التوبة : 128 ] أي شديد عليه ما شق عليكم .
قال الزجاج : ومعنى قوله تعالى : { وَلَوْ شَآءَ الله لأَعْنَتَكُمْ } أي لو شاء لكلفكم ما يشتد عليكم .
{ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } : { عَزِيزٌ } أي لا يمتنع عليه شيء ، لأنه غالب لا يغالب { حَكِيمٌ } أي يتصرف في ملكه كيف يشاء حسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة .
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه : يسألك أصحابك يا محمد عن حكم تناول الخمر ، وعن حكم الميسر ( القمار ) قل لهم : إن في مقارفة الخمر والميسر إثماً كبيراً ، وضرراً عظيماً ، وفيهما نفع مادي ضئيل ، وضررهما أعظم وأكبر من نفعهما ، فإن ضياع العقل ، وذهاب المال ، وتعريض الجسد للتلف في الخمر ، وما يجرُّه القمار من خراب البيوت ، ودمار الأسر ، والصدّ عن عبادة الله وطاعته ، وحدوث العداوة والبغضاء بين اللاعبين ، كل ذلك إذا قيس إلى النفع المادي التافه ، ظهر الضرر الكبير الفادح في هاتين الموبقتين الخبيثتين . ويسألونك ماذا ينفقون من أموالهم ، وماذا يتركون؟ قل لهم : أنفقوا الفضل والزيادة بقدر ما يسهل ويتيسر عليكم ، مما يكون فاضلاً عن حاجتكم ، وحاجة من تعولون ، كذلك قضت حكمة الله أن يبيّن لكم المنافع والمضار ، وأن يرشدكم إلى ما فيه خيركم وسعادتكم لتتفكروا في أمر الدنيا والآخرة ، فتعلموا أن الأولى فانية ، وأن الآخرة باقية ، فتعملوا لها ، والعاقل من آثر ما يبقى على ما يفنى .
التحليل اللفظي
{ الخمر } : المسكر من عصير العنب وغيره ، وهي مأخوذة من خَمَر الشيء إذا ستره وغطاه ، سميت خمراً لأنها تستر العقل وتغطيه ، ومنه قولهم : خمّرتُ الإناء أي غطيته .
قال الزجاج : الخمر في اللغة : ما ستر على العقل ، يقال : دخل فلان في خمار الناس أي في الكثير الذي يستتر فيهم ، وخمار المرأة قناعها ، سمي خماراً لأنه يغطي رأسها .
وقال ابن الأنباري : « سميت خمراً لأنها تخامر العقل أي تخالطه ، يقال خامره الداء إذا خالطه ، وأنشد لكثير :
هنيئاً مريئاً غير داءٍ مخامر » ... { والميسر } : القمار ، من اليسر وهو السهولة ، لأنه كسب من غير كدّ ولا تعب ، أو من اليسار ( الغنى ) لأنه سبب يساره .
قال الأزهري : الميسر : الجزور الذي كانوا يتقامرون عليه ، سمي ميسراً لأنه يجزأ أجزاءً ، وكل شيء جزّأته فقد يَسَرْته .
وفي « الصحاح » : ويَسر القوم الجزور إذا اقتسموا أعضاءها .
والياسر : الذي يلي قسمة الجزور .
{ إِثْمٌ } : الإثم : الذنب وجمعه آثام ، يقال : آثم وأثِم ، والآثم المتحمل الإثم قال تعالى : { فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } [ البقرة : 283 ] أفاده الراغب .
وتسمى الخمر ب ( لإثم ) لأنّ شربها سبب في الإثم قال الشاعر :
شربتُ الإثم حتى ضلّ عقلي ... كذاك الإثم تذهب بالعقول
{ العفو } : الفضل والزيادة على الحاجة .
قال القفال : العفو سهُل وتيسُر مما يكون فاضلاً عن الكفاية ، يقال : خذ ما عفا لك أي ما تيسّر .
والمعنى : انفقوا ما فضل عن حوائجكم ولم تُجهدوا فيه أنفسكم .
{ لأَعْنَتَكُمْ } : أي أوقعكم في الحرج والمشقة ، وأصل العنت : المشقة ، يقال : أعنت فلانٌ فلاناً إذا أوقعة فيما لا يستطيع الخروج منه ، وعَنت العظم : إذا انكسر بعد الجبر ، وأكمةٌ عنوت : إذا كانت شاقة كدوداً ، ومنه قوله تعالى : { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } [ التوبة : 128 ] أي شديد عليه ما شق عليكم .
قال الزجاج : ومعنى قوله تعالى : { وَلَوْ شَآءَ الله لأَعْنَتَكُمْ } أي لو شاء لكلفكم ما يشتد عليكم .
{ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } : { عَزِيزٌ } أي لا يمتنع عليه شيء ، لأنه غالب لا يغالب { حَكِيمٌ } أي يتصرف في ملكه كيف يشاء حسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة .
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه : يسألك أصحابك يا محمد عن حكم تناول الخمر ، وعن حكم الميسر ( القمار ) قل لهم : إن في مقارفة الخمر والميسر إثماً كبيراً ، وضرراً عظيماً ، وفيهما نفع مادي ضئيل ، وضررهما أعظم وأكبر من نفعهما ، فإن ضياع العقل ، وذهاب المال ، وتعريض الجسد للتلف في الخمر ، وما يجرُّه القمار من خراب البيوت ، ودمار الأسر ، والصدّ عن عبادة الله وطاعته ، وحدوث العداوة والبغضاء بين اللاعبين ، كل ذلك إذا قيس إلى النفع المادي التافه ، ظهر الضرر الكبير الفادح في هاتين الموبقتين الخبيثتين . ويسألونك ماذا ينفقون من أموالهم ، وماذا يتركون؟ قل لهم : أنفقوا الفضل والزيادة بقدر ما يسهل ويتيسر عليكم ، مما يكون فاضلاً عن حاجتكم ، وحاجة من تعولون ، كذلك قضت حكمة الله أن يبيّن لكم المنافع والمضار ، وأن يرشدكم إلى ما فيه خيركم وسعادتكم لتتفكروا في أمر الدنيا والآخرة ، فتعلموا أن الأولى فانية ، وأن الآخرة باقية ، فتعملوا لها ، والعاقل من آثر ما يبقى على ما يفنى .
(1/115)
ويسألونك - يا محمد - عن معاملة اليتامى ، أيخاطونهم أم يعتزلونهم ، قل لهم : قصد إصلاح أموالهم خير من اعتزالهم ، وإن خالطتموهم فهم إخوانكم في الدين ، والأخ ينبغي أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، والله رقيب مطّلع عليكم يعلم المفسد منكم من المصلح ، فلا تجعلوا مخالطتكم إياهم ذريعة إلى أكل أموالهم ، ولو شاء الله لأوقعكم في الحرج والمشقة ، ولكنه يسّر عليكم وسهّل الدين رحمة ورأفة بكم ، وهو العزيز الذي لا يمتنع عليه شيء ، الحكيم فيما يشرّع لعباده من الأحكام .
سبب النزول
أولاً : روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن عمر بن الخطاب أنه قال : اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً ، فإنها تذهب بالمال والعقل ، فنزلت هذه الآية { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر } فُدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً ، فنزلت الآية في سورة النساء [ 43 ] { يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصلاوة وَأَنْتُمْ سكارى } فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى : أن لا يقربنّ الصلاة سكران ، فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت في المائدة ، فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [ المائدة : 91 ] قال عمر : انتهينا ، انتهينا .
ثانياً : وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لما نزلت { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ } [ الأنعام : 152 ] ونزل { إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } [ النساء : 10 ] انطلق من كان عنده يتيم ، فعزل طعامه من طعامه ، وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل الشيء من طعامه ، فيُحبس له حتى يأكله أو يفسد ، فاشتدّ ذلك عليهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليتامى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } [ البقرة : 220 ] فخلطوا طعامهم بطعامهم ، وشرابهم بشرابهم .
وجوه القراءات
1 - قرأ الجمهور ( قل فيهما إثم كبير ) بالباء ، وقرأ حمزة والكسائي ( كثير ) بالثاء .
قال الطبري : ولو كان الذي وصف به من ذلك الكثرة لقيل : وإثمهما أكثر من نفعهما .
2 - قرأ الجمهور ( قل العفوَ ) بالنصب ، وقرأ أبو عمرو ( قل العفوُ ) بالرفع . ويكون معنى الكلام حينئذٍ : ما الذي؟ ينفقون قل : المنفقُ العفوُ .
وجوه الإعراب
1 - قوله تعالى : { كذلك يُبيِّنُ الله } قال ابن الأنباري : الكاف في ( كذلك ) إشارة إلى ما بيّن من الإنفاق ، فكأنه قال : مثل ذلك الذي بينه لكم في الإنفاق يبيّن الآيات ، ويجوز أن يكون « كذلك » ليس إشارة إلى ما قبله بل بمعنى « هكذا » قاله ابن عباس .
سبب النزول
أولاً : روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن عمر بن الخطاب أنه قال : اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً ، فإنها تذهب بالمال والعقل ، فنزلت هذه الآية { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر } فُدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً ، فنزلت الآية في سورة النساء [ 43 ] { يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصلاوة وَأَنْتُمْ سكارى } فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى : أن لا يقربنّ الصلاة سكران ، فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت في المائدة ، فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [ المائدة : 91 ] قال عمر : انتهينا ، انتهينا .
ثانياً : وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لما نزلت { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ } [ الأنعام : 152 ] ونزل { إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } [ النساء : 10 ] انطلق من كان عنده يتيم ، فعزل طعامه من طعامه ، وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل الشيء من طعامه ، فيُحبس له حتى يأكله أو يفسد ، فاشتدّ ذلك عليهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليتامى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } [ البقرة : 220 ] فخلطوا طعامهم بطعامهم ، وشرابهم بشرابهم .
وجوه القراءات
1 - قرأ الجمهور ( قل فيهما إثم كبير ) بالباء ، وقرأ حمزة والكسائي ( كثير ) بالثاء .
قال الطبري : ولو كان الذي وصف به من ذلك الكثرة لقيل : وإثمهما أكثر من نفعهما .
2 - قرأ الجمهور ( قل العفوَ ) بالنصب ، وقرأ أبو عمرو ( قل العفوُ ) بالرفع . ويكون معنى الكلام حينئذٍ : ما الذي؟ ينفقون قل : المنفقُ العفوُ .
وجوه الإعراب
1 - قوله تعالى : { كذلك يُبيِّنُ الله } قال ابن الأنباري : الكاف في ( كذلك ) إشارة إلى ما بيّن من الإنفاق ، فكأنه قال : مثل ذلك الذي بينه لكم في الإنفاق يبيّن الآيات ، ويجوز أن يكون « كذلك » ليس إشارة إلى ما قبله بل بمعنى « هكذا » قاله ابن عباس .
(1/116)
وقال العكبري : الكاف في ( كذلك ) في موضع نصب نعت لمصدر محذوف أي تبييناً مثل هذا التبيين يبيّن الله لكم ، وقوله ( في الدنيا والآخرة ) متعلقة ب ( تتفكرون ) ويجوز أن تتعلق ب ( تبيّن ) والمعنى : يبيّن لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة .
2 - قوله تعالى : { إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ } ( إصلاح ) مبتدأ ، و ( خير ) خبره ، وجاز الابتداء بالنكرة هنا لأنها في معنى الفعل تقديره : أصلحوهم .
3 - قوله تعالى : { فَإِخْوَانُكُمْ } مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هم إخوانكم .
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : « أنزل الله تعالى في الخمر أربع آيات ، نزل بمكة قوله تعالى : { وَمِن ثَمَرَاتِ النخيل والأعناب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } [ النحل : 67 ] فكان المسلمون يشربونها في أول الإسلام وهي لهم حلال ، ثم نزل بالمدينة قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ ومنافع لِلنَّاسِ } فتركها قوم لقوله : { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } وشربها قوم لقوله : { ومنافع لِلنَّاسِ } ثم إن ( عبد الرحمن بن عوف ) صنع طعاماً ودعا إليه ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمهم وسقاهم الخمر ، وحضرت صلاة المغرب فقدموا أحدهم ليصلي بهم فقرأ ( قل يا أيها الكافرون . أعبد ما تعبدون ) بحذف ( لا ) فنزل قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصلاوة وَأَنْتُمْ سكارى حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } [ النساء : 43 ] فحرّم الله السكر في أوقات الصلاة ، فكان الرجل يشربها بعد صلاة العشاء فيصبح وقد زال سكره ، ثم إن ( عتبان بن مالك ) صنع طعاماً ودعا إليه رجالاً من المسلمين فيهم ( سعد بن أبي وقاص ) وكان قد شوى لهم رأس بعير ، فأكلوا وشربوا الخمر حتى أخذت منهم ، فافتخروا عند ذلك وتناشدوا الأشعار ، فأنشد بعضهم قصيدة فيها فخر قومه وهجاء الأنصار ، فأخذ رجل من الأنصار لحي بعير فضرب به رأس ( سعد ) فشجه ، فانطلق سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه الأنصاري فأنزل الله { إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ . . . } إلى قوله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [ المائدة : 90-91 ] ؟ فقال عمر : انتهينا ربنا انتهينا » .
اللطيفة الثانية : في تحريم الخمر بهذا الترتيب حكمة بليغة ، وذلك أن القوم ألفوا شرب الخمر ، وأصبحت جزءاً من حياتهم ، فلو حرّمت عليهم دفعة واحدة لشق ذلك على نفوسهم وربما لم يستجيبوا لذلك النهي ، كما تقول السيدة عائشة رضي الله عنها « أول ما نزل من القرآن سورة من المفصّل فيها ذكر الجنة والنار ، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلالُ والحرام ، ولو نزل أول ما نزل : لا تشربوا الخمر لقالوا : لا ندع الخمرة أبداً » .
2 - قوله تعالى : { إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ } ( إصلاح ) مبتدأ ، و ( خير ) خبره ، وجاز الابتداء بالنكرة هنا لأنها في معنى الفعل تقديره : أصلحوهم .
3 - قوله تعالى : { فَإِخْوَانُكُمْ } مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هم إخوانكم .
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : « أنزل الله تعالى في الخمر أربع آيات ، نزل بمكة قوله تعالى : { وَمِن ثَمَرَاتِ النخيل والأعناب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } [ النحل : 67 ] فكان المسلمون يشربونها في أول الإسلام وهي لهم حلال ، ثم نزل بالمدينة قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ ومنافع لِلنَّاسِ } فتركها قوم لقوله : { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } وشربها قوم لقوله : { ومنافع لِلنَّاسِ } ثم إن ( عبد الرحمن بن عوف ) صنع طعاماً ودعا إليه ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمهم وسقاهم الخمر ، وحضرت صلاة المغرب فقدموا أحدهم ليصلي بهم فقرأ ( قل يا أيها الكافرون . أعبد ما تعبدون ) بحذف ( لا ) فنزل قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصلاوة وَأَنْتُمْ سكارى حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } [ النساء : 43 ] فحرّم الله السكر في أوقات الصلاة ، فكان الرجل يشربها بعد صلاة العشاء فيصبح وقد زال سكره ، ثم إن ( عتبان بن مالك ) صنع طعاماً ودعا إليه رجالاً من المسلمين فيهم ( سعد بن أبي وقاص ) وكان قد شوى لهم رأس بعير ، فأكلوا وشربوا الخمر حتى أخذت منهم ، فافتخروا عند ذلك وتناشدوا الأشعار ، فأنشد بعضهم قصيدة فيها فخر قومه وهجاء الأنصار ، فأخذ رجل من الأنصار لحي بعير فضرب به رأس ( سعد ) فشجه ، فانطلق سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه الأنصاري فأنزل الله { إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ . . . } إلى قوله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [ المائدة : 90-91 ] ؟ فقال عمر : انتهينا ربنا انتهينا » .
اللطيفة الثانية : في تحريم الخمر بهذا الترتيب حكمة بليغة ، وذلك أن القوم ألفوا شرب الخمر ، وأصبحت جزءاً من حياتهم ، فلو حرّمت عليهم دفعة واحدة لشق ذلك على نفوسهم وربما لم يستجيبوا لذلك النهي ، كما تقول السيدة عائشة رضي الله عنها « أول ما نزل من القرآن سورة من المفصّل فيها ذكر الجنة والنار ، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلالُ والحرام ، ولو نزل أول ما نزل : لا تشربوا الخمر لقالوا : لا ندع الخمرة أبداً » .
(1/117)
وذلك من الخطة الحكيمة التي انتهجها الإسلام في معالجة الأمراض الاجتماعية ، فقد سلك بالناس طريق ( التدريج في تشريع الأحكام ) فبدأ بالتنفير مه بطريق غير مباشر كما في الآية الأولى ، ثم بالتنفير المباشر عن طريق المقارنة بين شيئين : شيء فيه نفع ضئيل ، وشيء فيه ضرر وخطر جسيم ، كما في الآية الثانية ، ثم بالتحريم الجزئي في أوقات الصلاة كما في الآية الثالثة ، ثم بالتحريم الكلي في جميع الأوقات كما في الآية الرابعة ، فللَّه ما أدق هذا التشريع وما أحكمه؟!
اللطيفة الثالثة : فإن قيل : كيف يكون في الخمر منافع ، مع أنها تذهب بالمال والعقل؟
فالجواب أن المراد بالمنافع في الآية ( المنافع المادية ) التي كانوا يستفيدونها من تجارة الخمر ، يربحون منها الربح الفاحش ، كما يربحون من وراء الميسر ، ومما يدل على أن النفع مادي أن الله تعالى قرنها بالميسر { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر } ولا شك أن النفع في الميسر ( مادي ) بحت حيث يكون الربح لبعض المقامرين فكذلك في الخمر .
قال العلامة القرطبي : « أمّا المنافع في الخمر فربح التجارة ، فإنهم كانوا يجلبونها من الشام برخص ، فيبيعونها في الحجاز بربح ، وكانوا لا يرون المماكسة فيها ، فيشتري طالب الخمر الخمر بالثمن الغالي ، هذا أصح ما قيل في منافعها » .
ويحتمل أن يراد النفع في الخمر تلك اللذة والنشوة المزعومة التي عبرّ عنها الشاعر بقوله :
ونشربها فتتركنا ملوكاً ... وأُسْداً ما ينهنها اللقاء
لا يلذ السّكْر حتّى ... يأكل السكرانُ نعلَه
ويرى القصعة فيلاً ... ويظنَّ الفيل نملة
اللطيفة الرابعة : أثمن وأغلى شيء في الإنسان عقله ، فإذا فقد الإنسان العقل أصبح كالحيوان ، ولهذا حرم الله الخمر وسميت ب ( أم الخبائث ) لأنها سبب في كل قبيح .
روى النسائي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال : « اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث ، إنه كان رجل ممن كان قبلكم متعبّد فعلقته امرأة غوية ، فأرسلت إليه جاريتها فقالت له : إنّا ندعوك للشهادة ، فانطلق مع جاريتها ، فطفقت كلما دخل باباً أغلقته دونه ، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطيةُ خمر ، فقالت : إني والله ما دعوتك للشهادة ، ولكن دعوتك لتقع عليّ ، أو تشرب من هذه الخمر كأساً ، أو تقتل هذا الغلام ، قال : فاسقيني من هذه الخمر كأساً ، فسقته كأساً قال : زيدوني فزادوه ، فلم يبرح حتى وقع عليها ، وقتل النفس ، فاجتنبوا الخمر فإنه والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر ، إلا يوشك أن يُخْرج أحدُهما صاحبه » .
اللطيفة الخامسة : قال ( قيس بن عاصم المِنْقري ) في ذم الخمر بعد أن حرّمها على نفسه :
رأيت الخمر صالحة وفيها ... خصالٌ تُفسد الرجل الحليما
فلا والله أشربها صحيحاً ... ولا أشفي بها أبداً سقيماً
ولا أعطي بها ثمناً حياتي ... ولا أدعو لها أبداً نديماً
فإن الخمر تفضح شاربيها ... وتجنيهم بها الأمر العظيما
قال القرطبي : « وإن الشارب يصير ضُحكة للعقلاء ، فيلعب ببوله وعذرته وربما يمسح وجهه ، حتى رؤي بعضهم يمسح وجهه ببوله ويقول : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، ورؤي بعضهم والكلب يلحس وجهه وهو يقول له : أكرمك الله كما أكرمتني » .
اللطيفة الثالثة : فإن قيل : كيف يكون في الخمر منافع ، مع أنها تذهب بالمال والعقل؟
فالجواب أن المراد بالمنافع في الآية ( المنافع المادية ) التي كانوا يستفيدونها من تجارة الخمر ، يربحون منها الربح الفاحش ، كما يربحون من وراء الميسر ، ومما يدل على أن النفع مادي أن الله تعالى قرنها بالميسر { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر } ولا شك أن النفع في الميسر ( مادي ) بحت حيث يكون الربح لبعض المقامرين فكذلك في الخمر .
قال العلامة القرطبي : « أمّا المنافع في الخمر فربح التجارة ، فإنهم كانوا يجلبونها من الشام برخص ، فيبيعونها في الحجاز بربح ، وكانوا لا يرون المماكسة فيها ، فيشتري طالب الخمر الخمر بالثمن الغالي ، هذا أصح ما قيل في منافعها » .
ويحتمل أن يراد النفع في الخمر تلك اللذة والنشوة المزعومة التي عبرّ عنها الشاعر بقوله :
ونشربها فتتركنا ملوكاً ... وأُسْداً ما ينهنها اللقاء
لا يلذ السّكْر حتّى ... يأكل السكرانُ نعلَه
ويرى القصعة فيلاً ... ويظنَّ الفيل نملة
اللطيفة الرابعة : أثمن وأغلى شيء في الإنسان عقله ، فإذا فقد الإنسان العقل أصبح كالحيوان ، ولهذا حرم الله الخمر وسميت ب ( أم الخبائث ) لأنها سبب في كل قبيح .
روى النسائي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال : « اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث ، إنه كان رجل ممن كان قبلكم متعبّد فعلقته امرأة غوية ، فأرسلت إليه جاريتها فقالت له : إنّا ندعوك للشهادة ، فانطلق مع جاريتها ، فطفقت كلما دخل باباً أغلقته دونه ، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطيةُ خمر ، فقالت : إني والله ما دعوتك للشهادة ، ولكن دعوتك لتقع عليّ ، أو تشرب من هذه الخمر كأساً ، أو تقتل هذا الغلام ، قال : فاسقيني من هذه الخمر كأساً ، فسقته كأساً قال : زيدوني فزادوه ، فلم يبرح حتى وقع عليها ، وقتل النفس ، فاجتنبوا الخمر فإنه والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر ، إلا يوشك أن يُخْرج أحدُهما صاحبه » .
اللطيفة الخامسة : قال ( قيس بن عاصم المِنْقري ) في ذم الخمر بعد أن حرّمها على نفسه :
رأيت الخمر صالحة وفيها ... خصالٌ تُفسد الرجل الحليما
فلا والله أشربها صحيحاً ... ولا أشفي بها أبداً سقيماً
ولا أعطي بها ثمناً حياتي ... ولا أدعو لها أبداً نديماً
فإن الخمر تفضح شاربيها ... وتجنيهم بها الأمر العظيما
قال القرطبي : « وإن الشارب يصير ضُحكة للعقلاء ، فيلعب ببوله وعذرته وربما يمسح وجهه ، حتى رؤي بعضهم يمسح وجهه ببوله ويقول : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، ورؤي بعضهم والكلب يلحس وجهه وهو يقول له : أكرمك الله كما أكرمتني » .
(1/118)
اللطيفة السادسة : قال صاحب « الكشاف » : في صفة الميسر الذي كانوا يتعاملون به في الجاهلية « كانت لهم عشرة أقداح وهي ( الفذّ ، والتوأم ، والرقيب ، والحِلْس ، والنافس ، والمسبل ، والمعلَّى ، والمنيح ، والسفيح ، والوغد ) لكلّ واحد منه نصيب معلوم من جزور ينحرونها إلا لثلاثة وهي ( المنيح ، والسفيح ، والوغد ) فللفذ سهم ، وللتوأم سهمان ، وللرقيب ثلاثة ، وللحلس أربعة ، وللنافس خمسة ، وللمسبل ستة ، وللمعلى سبعة ، يجعلونها في خريطة ويضعونها على يد عدل ، ثم يجلجلها ويدخل يدخ فيخرج باسم رجلٍ رجلٍ قدحاً منها ، فمن خرج له قدح من ذوات الأنصباء أخذ النصيب الموسوم به ، ومن خرج له قدح لا نصيب له لم يأخذ شيئاً ، وغرم ثمن الجزور كله ، وكانوا يدفعون تلك الأنصباء إلى الفقراء ولا يأكلون منها ، ويفتخرون بذلك ويذمون من لم يدخل فيه؟
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل الآية الكريمة دالة على تحريم الخمر؟
ذهب بعض العلماء إلى أن هذه الآية { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر } دالة على تحريم الخمر ، لأن الله تعالى ذكر فيها قوله : { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } وقد حرم الله الإثم بقوله : { إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم . . . } [ الأعراف : 33 ] الآية وهذا اختيار القاضي أبي يعلى .
ذهب جمهور العلماء إلى أن هذه الآية تقتضي ذم الخمر دون تحريمها ، بدليل أن بعض الصحابة شربوا الخمر بعد نزولها - كما مرّ في أسباب النزول - ولو فهموا التحريم لما شربها أحد منهم ، وهذه الآية منسوخة بآية المائدة وهذا قول مجاهد ، وقتادة ، ومقاتل .
قال القرطبي : » في هذه الآية ذم الخمر ، فأما التحريم فيعلم بآية أخرى هي آية المائدة [ 90 ] { ياأيها الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان } وعلى هذا أكثر المفسدين « .
الحكم الثاني : ما هي الخمر وهل هي اسم لكل مسكر؟
اختلف العلماء في تعريف الخمر ما هي؟
فقال أبو حنيفة : الخمر الشراب المسكر من عصير العنب فقط ، وأما المسكر من غيره كالشراب من التمر أو الشعير ، فلا يسمى خمراً بل يُسمى نبيذاً . وهذا مذهب الكوفيين والنخعي ، والثوري ، وابن أبي ليلى .
وذهب الجمهور ( مالك والشافعي وأحمد ) إلى أن الخمر اسم لكلّ شراب مسكر ، سواءً كان من عصير العنب ، أو التمر ، أو الشعير أو غيره ، وهو مذهب جمهور المحدثين وأهل الحجاز .
حجة الكوفيين وأبي حنيفة :
احتج الكوفيون وأبو حنيفة بأن الأنبذة لا تسمى خمراً ، ولا يسمى خمراً إلا لشيء المشتد من عصير العنب باللغة ، والسنة :
أما اللغة : فقول ( أبي الأسود الدؤلي ) وهو حجة في اللغة :
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل الآية الكريمة دالة على تحريم الخمر؟
ذهب بعض العلماء إلى أن هذه الآية { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر } دالة على تحريم الخمر ، لأن الله تعالى ذكر فيها قوله : { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } وقد حرم الله الإثم بقوله : { إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم . . . } [ الأعراف : 33 ] الآية وهذا اختيار القاضي أبي يعلى .
ذهب جمهور العلماء إلى أن هذه الآية تقتضي ذم الخمر دون تحريمها ، بدليل أن بعض الصحابة شربوا الخمر بعد نزولها - كما مرّ في أسباب النزول - ولو فهموا التحريم لما شربها أحد منهم ، وهذه الآية منسوخة بآية المائدة وهذا قول مجاهد ، وقتادة ، ومقاتل .
قال القرطبي : » في هذه الآية ذم الخمر ، فأما التحريم فيعلم بآية أخرى هي آية المائدة [ 90 ] { ياأيها الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان } وعلى هذا أكثر المفسدين « .
الحكم الثاني : ما هي الخمر وهل هي اسم لكل مسكر؟
اختلف العلماء في تعريف الخمر ما هي؟
فقال أبو حنيفة : الخمر الشراب المسكر من عصير العنب فقط ، وأما المسكر من غيره كالشراب من التمر أو الشعير ، فلا يسمى خمراً بل يُسمى نبيذاً . وهذا مذهب الكوفيين والنخعي ، والثوري ، وابن أبي ليلى .
وذهب الجمهور ( مالك والشافعي وأحمد ) إلى أن الخمر اسم لكلّ شراب مسكر ، سواءً كان من عصير العنب ، أو التمر ، أو الشعير أو غيره ، وهو مذهب جمهور المحدثين وأهل الحجاز .
حجة الكوفيين وأبي حنيفة :
احتج الكوفيون وأبو حنيفة بأن الأنبذة لا تسمى خمراً ، ولا يسمى خمراً إلا لشيء المشتد من عصير العنب باللغة ، والسنة :
أما اللغة : فقول ( أبي الأسود الدؤلي ) وهو حجة في اللغة :
(1/119)
دع الخمر تشربْها الغواة فإنني ... رأيت أخاها مغنياً بمكانها
فإن لا تكنْه أو يكنْها فإنه ... أخوها غذته أمه بلبانها
وأما السنة : فما روي عن أبي سعيد الخدري قال : « أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بنشوان فقال له : أشربت خمراً؟ قال : ما شربتها منذ حرّمها الله ورسوله ، قال : فماذا شربت؟ قال : الخليطين ، قال : فحرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخليطين » .
فنفى الشارب اسم الخمر عن ( الخليطين ) بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكره عليه .
حجة الجمهور :
واستدل الحجازيون وجمهور الفقهاء على أن كل مسكر خمر بما يلي :
أولاً : حديث ابن عمر « كلّ مسكر خمرٌ ، وكل مسكر حرامٌ » .
ثانياً : حديث أبي هريرة : « الخمر من هاتين الشجرتين وأشار إلى الكرمة والنخلة » .
ثالثاً : حديث أنس « حرمت الخمر حين حرّمت ، وما يُتخذ من خمر الأعناب إلا قليل ، وعامة خمرنا البُسْرُ والتمر » .
رابعاً : حديث ابن عمر ( نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة : من العنب ، والتمر ، والحنطة ، والشعير ، والذرة ، والخمرُ ما خامر العقل ) .
خامساً : حديث أم سلمة « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتّر »
واستدلوا لمذهبهم على أن المسكر يسمى خمراً باللغة أيضاً وهو أن الخمر سميت خمراً لمخامرتها للعقل ، وهذه الأنبذة تخامر العقل أي تستره وتغيبه فلذلك تسمى خمراً ، فالخمرُ هو السكر من أي شرابٍ كان ، لأن السكر يغطي العقل ، ويمنع من وصول نوره إلى الأعضاء .
قال الفخر الرازي : « فهذه الاشتقاقات من أقوى الدلائل على أن مسمّى الخمر هو المسكر ، فكيف إذا انضافت الأحاديث الكثيرة إليه؟ لا يقال : إن هذا إثبات للغة بالقياس وهو غير جائز ، لأنا نقول : ليس هذا إثباتاً للغة بالقياس بل هو تعيين المسمى بواسطة هذه الاشتقاقات .
والترجيح : ونحن إذا تأملنا أدلة الفريقين - ما ذكر منها وما لم يذكر - ترجح عندنا قول الجمهور وأهل الحجاز ، فالخمر حرام ، وكمل مسكر خمر كما قال عمر رضي الله عنه ، وذلك لأن الصحابة لما سمعوا تحريم الخمر فهموا منه تحريم الأنبذة ، وهم كانوا أعرف الناس بلغة العرب ومراد الشارع ، وقد ثبت بالسنة المطهّرة تحريم كل مسكر ومفتّر ، وثبت عن أنسٍ أنه كان ساقي القوم في منزل أبي طلحة حين حرمت الخمر ، وما كان خمرهم يومئذٍ إلا الفضيخ ، فحين سمعوا تحريم الخمر أهراقوا الشراب وكسروا الأواني ، وما كان الفضيخ إلا من نقيع البسر ، فما ذهب إليه الجمهور هو الصحيح المعوّل عليه ، لا سيّما وأن المتأخرين من الأحناف أفتوا بقول محمد في سائر الأشربة وهو الحق الذي لا محيد عنه .
قال العلامة الألوسي : » وعندي أن الحق الذي لا ينبغي العدول عنه ، أن الشراب المتخذ مما عدا العنب كيف كان ، وبأي اسم سمي ، متى كان بحيث يُسكر حرام ، وقليله ككثيره ، ويحد شاربه ، ويقع طلاقه ، ونجاسته غليظة « .
فإن لا تكنْه أو يكنْها فإنه ... أخوها غذته أمه بلبانها
وأما السنة : فما روي عن أبي سعيد الخدري قال : « أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بنشوان فقال له : أشربت خمراً؟ قال : ما شربتها منذ حرّمها الله ورسوله ، قال : فماذا شربت؟ قال : الخليطين ، قال : فحرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخليطين » .
فنفى الشارب اسم الخمر عن ( الخليطين ) بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكره عليه .
حجة الجمهور :
واستدل الحجازيون وجمهور الفقهاء على أن كل مسكر خمر بما يلي :
أولاً : حديث ابن عمر « كلّ مسكر خمرٌ ، وكل مسكر حرامٌ » .
ثانياً : حديث أبي هريرة : « الخمر من هاتين الشجرتين وأشار إلى الكرمة والنخلة » .
ثالثاً : حديث أنس « حرمت الخمر حين حرّمت ، وما يُتخذ من خمر الأعناب إلا قليل ، وعامة خمرنا البُسْرُ والتمر » .
رابعاً : حديث ابن عمر ( نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة : من العنب ، والتمر ، والحنطة ، والشعير ، والذرة ، والخمرُ ما خامر العقل ) .
خامساً : حديث أم سلمة « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتّر »
واستدلوا لمذهبهم على أن المسكر يسمى خمراً باللغة أيضاً وهو أن الخمر سميت خمراً لمخامرتها للعقل ، وهذه الأنبذة تخامر العقل أي تستره وتغيبه فلذلك تسمى خمراً ، فالخمرُ هو السكر من أي شرابٍ كان ، لأن السكر يغطي العقل ، ويمنع من وصول نوره إلى الأعضاء .
قال الفخر الرازي : « فهذه الاشتقاقات من أقوى الدلائل على أن مسمّى الخمر هو المسكر ، فكيف إذا انضافت الأحاديث الكثيرة إليه؟ لا يقال : إن هذا إثبات للغة بالقياس وهو غير جائز ، لأنا نقول : ليس هذا إثباتاً للغة بالقياس بل هو تعيين المسمى بواسطة هذه الاشتقاقات .
والترجيح : ونحن إذا تأملنا أدلة الفريقين - ما ذكر منها وما لم يذكر - ترجح عندنا قول الجمهور وأهل الحجاز ، فالخمر حرام ، وكمل مسكر خمر كما قال عمر رضي الله عنه ، وذلك لأن الصحابة لما سمعوا تحريم الخمر فهموا منه تحريم الأنبذة ، وهم كانوا أعرف الناس بلغة العرب ومراد الشارع ، وقد ثبت بالسنة المطهّرة تحريم كل مسكر ومفتّر ، وثبت عن أنسٍ أنه كان ساقي القوم في منزل أبي طلحة حين حرمت الخمر ، وما كان خمرهم يومئذٍ إلا الفضيخ ، فحين سمعوا تحريم الخمر أهراقوا الشراب وكسروا الأواني ، وما كان الفضيخ إلا من نقيع البسر ، فما ذهب إليه الجمهور هو الصحيح المعوّل عليه ، لا سيّما وأن المتأخرين من الأحناف أفتوا بقول محمد في سائر الأشربة وهو الحق الذي لا محيد عنه .
قال العلامة الألوسي : » وعندي أن الحق الذي لا ينبغي العدول عنه ، أن الشراب المتخذ مما عدا العنب كيف كان ، وبأي اسم سمي ، متى كان بحيث يُسكر حرام ، وقليله ككثيره ، ويحد شاربه ، ويقع طلاقه ، ونجاسته غليظة « .
(1/120)
الحكم الثالث : ما هي أنواع الميسر المحرّم؟
اتفق العلماء على تحريم ضروب القمار ، وأنها من الميسر المحرّم لقوله تعالى : { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } فكل لعب يكون فيه ربح لفريق وخسارة لآخر هو من الميسر المحرم ، سواءً كان اللعب بالنرد ، أو الشطرنج أو غيرهما ، ويدخل فيه في زماننا مثل ( اليانصيب ) سواء منه ما كان بقصد الخير ( اليانصيب الخيري ) أو بقصد الربح المجرد فكله ربح خبيث « وإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً » .
قال صاحب « الكشاف » : « وفي حكم الميسر أنواع القمار ، من النرد والشطرنج وغيرهما ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم : » إياكم وهاتين اللعبتين المشئومتين فإنهما من ميسر العجم « .
وعن علي رضي الله عنه : » أن النرد والشطرنج من الميسر « .
وعن ابن سيرين : » كل شيء فيه خطر فهو من الميسر « .
قال صاحب » روح المعاني « : » وفي حكم الميسر جميع أنواع القمار من النرد ، والشطرنج ، وغيرهما حتى أدخلوا فيه لعب الصبيان بالجوز والكعاب ، والقرعة في غير القسمة ، وجميع أنواع المخاطرة والرهان « .
أما النرد فمحرم بالاتفاق لقوله عليه السلام : » من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله « .
وأما الشطرنج : فقد أباحه الإمام الشافعي بشروط ذكرها الإمام الفخر حيث قال : » وقال الشافعي رضي الله عنه : إذا خلا الشطرنج عن الرهان ، واللسان عن الطغيان ، والصلاة عن النسيان ، لم يكن حراماً ، وهو خارج عن الميسر ، لأن الميسر ما يوجب دفع المال ، أو أخذ مال ، وهذا ليس كذلك ، فلا يكون قماراً ولا ميسراً « .
وأما السبق في الخيل والدواب ، والرميُ بالنصَال والسهام فقد رخص فيه بشروط تعرف من كتب الفقه وليس هنا محل تفصيلها والله تعالى أعلم .
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
حرم الله الخمر والميسر ، لما فيهما من الأضرار الفادحة ، والمفاسد الكثيرة ، والآثام التي تتولد من هاتين الرذيلتين سواءً في النفس أو البدن أو العقل أو المال .
فمن مضار الخمر أنه يذهب العقل حتى يهذي الشارب كالمجنون ، ويفقد الإنسان صحته ويخرّب عليه جهازه الهضمي ، فيحدث التهابات في الحلق ، وتقرحات في المعدة والأمعاء ، وتمدداً في الكبد ، ويعيق دورة الدم ، وقد يوفقها فيموت السكّير فجأة ، وقد أثبت الطب الحديث ضرر الخمر الفادح في الجسم والعقل حتى قال بعض أطباء ألمانيا : » اقفلوا لي نصف الحانات أضمن لكم الاستغناء عن نصف المستشفيات ، والبيمارستانات ( مستشفى الأمراض العقلية ) والسجون « .
ويكفي الخمر شراً أنها ( أم الخبائث ) كما ورد في الحديث الشريف .
وأما مضار الميسر فليست بأقل من مضار الخمر ، فهو يورث العداوة والبغضاء بين اللاعبين ، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، ويفسد المجتمع بتعويد الناس على البطالة والكسل ، بانتظار الربح بدون كد ولا تعب ، ويهدّم الأسر ويخرّب البيوت ، فكم من أسرة تشرّدت وتحطمت وافتقرت بعد أن كانت تعيش بين أحضان الثروة والغنى بسبب مقامرة أربابها ، فكان في ذلك الدمار والهلاك لتلك الأسر المنكوبة ، كما انتهى الأمر بالكثير من اللاعبين إلى قتل أنفسهم بالانتحار ، أو الرضا بعيشة الذل والمهانة .
اتفق العلماء على تحريم ضروب القمار ، وأنها من الميسر المحرّم لقوله تعالى : { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } فكل لعب يكون فيه ربح لفريق وخسارة لآخر هو من الميسر المحرم ، سواءً كان اللعب بالنرد ، أو الشطرنج أو غيرهما ، ويدخل فيه في زماننا مثل ( اليانصيب ) سواء منه ما كان بقصد الخير ( اليانصيب الخيري ) أو بقصد الربح المجرد فكله ربح خبيث « وإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً » .
قال صاحب « الكشاف » : « وفي حكم الميسر أنواع القمار ، من النرد والشطرنج وغيرهما ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم : » إياكم وهاتين اللعبتين المشئومتين فإنهما من ميسر العجم « .
وعن علي رضي الله عنه : » أن النرد والشطرنج من الميسر « .
وعن ابن سيرين : » كل شيء فيه خطر فهو من الميسر « .
قال صاحب » روح المعاني « : » وفي حكم الميسر جميع أنواع القمار من النرد ، والشطرنج ، وغيرهما حتى أدخلوا فيه لعب الصبيان بالجوز والكعاب ، والقرعة في غير القسمة ، وجميع أنواع المخاطرة والرهان « .
أما النرد فمحرم بالاتفاق لقوله عليه السلام : » من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله « .
وأما الشطرنج : فقد أباحه الإمام الشافعي بشروط ذكرها الإمام الفخر حيث قال : » وقال الشافعي رضي الله عنه : إذا خلا الشطرنج عن الرهان ، واللسان عن الطغيان ، والصلاة عن النسيان ، لم يكن حراماً ، وهو خارج عن الميسر ، لأن الميسر ما يوجب دفع المال ، أو أخذ مال ، وهذا ليس كذلك ، فلا يكون قماراً ولا ميسراً « .
وأما السبق في الخيل والدواب ، والرميُ بالنصَال والسهام فقد رخص فيه بشروط تعرف من كتب الفقه وليس هنا محل تفصيلها والله تعالى أعلم .
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
حرم الله الخمر والميسر ، لما فيهما من الأضرار الفادحة ، والمفاسد الكثيرة ، والآثام التي تتولد من هاتين الرذيلتين سواءً في النفس أو البدن أو العقل أو المال .
فمن مضار الخمر أنه يذهب العقل حتى يهذي الشارب كالمجنون ، ويفقد الإنسان صحته ويخرّب عليه جهازه الهضمي ، فيحدث التهابات في الحلق ، وتقرحات في المعدة والأمعاء ، وتمدداً في الكبد ، ويعيق دورة الدم ، وقد يوفقها فيموت السكّير فجأة ، وقد أثبت الطب الحديث ضرر الخمر الفادح في الجسم والعقل حتى قال بعض أطباء ألمانيا : » اقفلوا لي نصف الحانات أضمن لكم الاستغناء عن نصف المستشفيات ، والبيمارستانات ( مستشفى الأمراض العقلية ) والسجون « .
ويكفي الخمر شراً أنها ( أم الخبائث ) كما ورد في الحديث الشريف .
وأما مضار الميسر فليست بأقل من مضار الخمر ، فهو يورث العداوة والبغضاء بين اللاعبين ، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، ويفسد المجتمع بتعويد الناس على البطالة والكسل ، بانتظار الربح بدون كد ولا تعب ، ويهدّم الأسر ويخرّب البيوت ، فكم من أسرة تشرّدت وتحطمت وافتقرت بعد أن كانت تعيش بين أحضان الثروة والغنى بسبب مقامرة أربابها ، فكان في ذلك الدمار والهلاك لتلك الأسر المنكوبة ، كما انتهى الأمر بالكثير من اللاعبين إلى قتل أنفسهم بالانتحار ، أو الرضا بعيشة الذل والمهانة .
(1/121)
ولا تزال الأيام تظهر من مضار الخمر والميسر ما لم يكن معروفاً من قبل ، فيتجلى لنا صدق وصف الكتاب الكريم : { إِنَّمَا يُرِيدُ الشيطان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة والبغضآء فِي الخمر والميسر وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَعَنِ الصلاة فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [ المائدة : 91 ] .
(1/122)
وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)
[ 13 ] نكاح المشركات
التحليل اللفظي
{ تَنْكِحُواْ المشركات } : أي لا تتزوجوا الوثنيات ، والمشركة هي التي تعبد الأوثان ، وليس لها دين سماوي ومثلها المشرك ، وقيل : إنها تعم الكتابيات أيضاً لأن أهل الكتاب مشركون لقوله تعالى : { وَقَالَتِ اليهود عُزَيْرٌ ابن الله وَقَالَتْ النصارى المسيح ابن الله } إلى قوله : { سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ التوبة : 30 - 31 ] .
{ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ } : الأمة : المملوكة بملك اليمين وهي تقابل الحرة ، وأصلها ( أمو ) حذفت على غير قياس وعوّض عنها هاء التأنيث ، وتجمع على إماء قال تعالى : { وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ } [ النور : 32 ] وقال الشاعر :
أمّا الإماء فلا يدعونني ولداً ... إذا تداعى بنو الأَمَوات بالعار
المعنى الإجمالي
يقول الله تعالى ما معناه : لا تتزوجوا - أيها المؤمنون - المشركات حتى يؤمن بالله واليوم الآخر ، ولأمة مؤمنة بالله ورسوله أفضل من حرة مشركة ، وإن أعجبتكم المشركة بجمالها ، ومالها ، وسائر ما يوجب الرغبة فيها من حسب ، أو جاه ، أو سلطان .
ولا تَزوِّجُوا المشركين من نسائكم المؤمنات حتى يؤمنوا بالله ورسوله ، ولأن تزوجوهن من عبدٍ مؤمن خيرٌ لكم من أن تزوجوهن من حر مشرك ، مهما أعجبكم في الحسب ، والنسب ، والشرف ، فإن هؤلاء - المشركين والمشركات - الذين حرمت عليكم مناكحتهم ومصاهرتهم ، يدعونكم إلى ما يؤدي بكم إلى النار ، والله يدعو إلى العمل الذي يوجب الجنة ، ويوضح حججه وأدلته للناس ليتذكروا فيميزوا بين الخير والشر ، والخبيث والطيب .
سبب النزول
أولاً : روي أن هذه الآية نزلت في مرثد من أبي مرثد الغنوي الذي كان يحمل الأسرى من مكة إلى المدينة ، وكانت له في الجاهلية صلة بامرأة تسمى ( عَناقاً ) فأتته وقالت : ألا تخلوا؟ فقال : ويحك إن الإسلام قد حال بيننا ، فقالت : فهل لك أن تتزوج بي؟ قال : نعم ولكن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمره فنزلت الآية .
وتعقّب السيوطي هذه الرواية وذكر أنها ليست سبباً في نزول هذه الآية ، وإنما هي سبب في نزول آية النور { الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً . . . } [ النور : 3 ] . الآية .
ثانياً : وروي عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في ( عبد الله بن رواحة ) كانت له أمة سوداء ، وأنه غضب عليها فلطمها ، ثم إنه فزع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما هي يا عبد الله؟ فقال : يا رسول الله : هي تصوم وتصلي وتحسن الوضوء ، وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله ، فقال يا عبد الله : هذه مؤمنة ، فقال : والذي بعثك بالحق لأعتقنها ولأتزوجنّها ففعل ، فعابه ناس من المسلمين وقالوا : نكح أمة ، وكانوا يرغبون في نكاح المشركات رغبة في أحسابهن ، فنزلت هذه الآية .
وجوه الإعراب
أولاً : قوله تعالى : { حتى يُؤْمِنَّ } حتى بمعنى ( إلى أن ) و ( يؤمن ) مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة في محل نصب ب ( حتى ) وأصله ( يؤمنْنَ ) .
التحليل اللفظي
{ تَنْكِحُواْ المشركات } : أي لا تتزوجوا الوثنيات ، والمشركة هي التي تعبد الأوثان ، وليس لها دين سماوي ومثلها المشرك ، وقيل : إنها تعم الكتابيات أيضاً لأن أهل الكتاب مشركون لقوله تعالى : { وَقَالَتِ اليهود عُزَيْرٌ ابن الله وَقَالَتْ النصارى المسيح ابن الله } إلى قوله : { سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ التوبة : 30 - 31 ] .
{ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ } : الأمة : المملوكة بملك اليمين وهي تقابل الحرة ، وأصلها ( أمو ) حذفت على غير قياس وعوّض عنها هاء التأنيث ، وتجمع على إماء قال تعالى : { وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ } [ النور : 32 ] وقال الشاعر :
أمّا الإماء فلا يدعونني ولداً ... إذا تداعى بنو الأَمَوات بالعار
المعنى الإجمالي
يقول الله تعالى ما معناه : لا تتزوجوا - أيها المؤمنون - المشركات حتى يؤمن بالله واليوم الآخر ، ولأمة مؤمنة بالله ورسوله أفضل من حرة مشركة ، وإن أعجبتكم المشركة بجمالها ، ومالها ، وسائر ما يوجب الرغبة فيها من حسب ، أو جاه ، أو سلطان .
ولا تَزوِّجُوا المشركين من نسائكم المؤمنات حتى يؤمنوا بالله ورسوله ، ولأن تزوجوهن من عبدٍ مؤمن خيرٌ لكم من أن تزوجوهن من حر مشرك ، مهما أعجبكم في الحسب ، والنسب ، والشرف ، فإن هؤلاء - المشركين والمشركات - الذين حرمت عليكم مناكحتهم ومصاهرتهم ، يدعونكم إلى ما يؤدي بكم إلى النار ، والله يدعو إلى العمل الذي يوجب الجنة ، ويوضح حججه وأدلته للناس ليتذكروا فيميزوا بين الخير والشر ، والخبيث والطيب .
سبب النزول
أولاً : روي أن هذه الآية نزلت في مرثد من أبي مرثد الغنوي الذي كان يحمل الأسرى من مكة إلى المدينة ، وكانت له في الجاهلية صلة بامرأة تسمى ( عَناقاً ) فأتته وقالت : ألا تخلوا؟ فقال : ويحك إن الإسلام قد حال بيننا ، فقالت : فهل لك أن تتزوج بي؟ قال : نعم ولكن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمره فنزلت الآية .
وتعقّب السيوطي هذه الرواية وذكر أنها ليست سبباً في نزول هذه الآية ، وإنما هي سبب في نزول آية النور { الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً . . . } [ النور : 3 ] . الآية .
ثانياً : وروي عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في ( عبد الله بن رواحة ) كانت له أمة سوداء ، وأنه غضب عليها فلطمها ، ثم إنه فزع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما هي يا عبد الله؟ فقال : يا رسول الله : هي تصوم وتصلي وتحسن الوضوء ، وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله ، فقال يا عبد الله : هذه مؤمنة ، فقال : والذي بعثك بالحق لأعتقنها ولأتزوجنّها ففعل ، فعابه ناس من المسلمين وقالوا : نكح أمة ، وكانوا يرغبون في نكاح المشركات رغبة في أحسابهن ، فنزلت هذه الآية .
وجوه الإعراب
أولاً : قوله تعالى : { حتى يُؤْمِنَّ } حتى بمعنى ( إلى أن ) و ( يؤمن ) مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة في محل نصب ب ( حتى ) وأصله ( يؤمنْنَ ) .
(1/123)
ثانياً : قوله تعالى : { وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } الواو للحالو ( لو ) هنا بمعنى ( إن ) وكذا كل موضع وليها الفعل الماضي كقوله : { وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخبيث } [ المائدة : 100 ] أي وإن أعجبك والتقدير : لأمة مؤمنة خيرٌ من مشركة وإن أعجبتك .
ثالثاً : قوله تعالى : { وَلاَ تُنْكِحُواْ المشركين } بضم التاء هنا لأنه من الرباعي ( أنكح ) وهو يتعدى إلى مفعولين الأول ( المشركين ) والثاني محذوف وهو ( المؤمنات ) أي ولا تزوجوا المشركين المؤمنات .
وأما قوله تعالى : { وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات } فهو من الثلاثي ( نكح ) أي لا تتزوجوا المشركات وهو يتعدى إلى مفعول واحد فقط .
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : المراد بالنكاح هنا العقد بالإجماع أي لا تتزوجوا بالمشركات .
قال الكرخي : المراد بالنكاح العقد لا الوطء حتى قيل : إنه لم يرد في القرآن بمعنى الوطء أصلاً ، لأن القرآن يكني وهذا من لطيف ألفاظه .
قال ابن جني : « سألت أبا علي عن قولهم : نكح المرأة فقال : فرّقت العرب في الاستعمال فرقاً لطيفاً حتى لا يحصل الالتباس ، فإذا قالوا : نكح فلانٌ فلانةً : أرادوا أنه تزوجها وعقد عليها ، وإذا قالوا : نكح امرأته أو زوجته لم يريدوا غير المجامعة ، لأنه إذا ذكر امرأته أو زوجته فقد استغنى عن ذكر العقد فلم تحتمل الكلمة غير المجامعة » .
اللطيفة الثانية : في قوله تعالى : { خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } إشارة لطيفة إلى أن الذي ينبغي أن يراعي في الزواج ( الخلق والدين ) لا الجمال والحسب ، والمال ، كما قال عليه الصلاة والسلام : « لا تنكحوا النساء لحسنهن فعسى حسنُهنّ أن يرديهن ، ولا تنكحوهن على أموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ، وانكحوهنّ على الدين ولأَمةٌ سوداء خرقاء ذات دين أفضل » .
اللطيفة الثالثة : من المعلوم أن المغفرة قبل دخول الجنة ، ولذلك قدمت في غير هذه الآية { وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ } [ آل عمران : 133 ] وإنما قدمت الجنة هنا لرعاية مقابلة النار لتكمل وتظهر المقابلة { أولئك يَدْعُونَ إِلَى النار والله يدعوا إِلَى الجنة والمغفرة بِإِذْنِهِ } .
اللطيفة الرابعة : في الآية الكريمة من المحسنّات البديعة ما يسمى ب ( المقابلة ) فقد جاء بلفظ ( أمة ) ويقابلها ( العبد ) وبلفظ ( مؤمنة ) ويقابلها ( المشركة ) وبلفظ ( الجنة ) ويقابلها ( النار ) فهي مقابلة لطيفة بديعة تزيد الكلام رونقاً وجمالاً ، والفرق بين ( المقابلة ) و ( الطباق ) أن المقابلة تكون بين معنيين أو أكثر متوافقة ، ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب ، أما الطباق فيكون بين لفظين مثل ( الأول والآخر ) ومثل ( أضحك وأبكى ) .
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل يحرم نكاح الكتابيات؟
دل قوله تعالى : { وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ } على حرمة نكاح المجوسيات والوثنيات .
وأما الكتابيات فيجوز نكاحهن لقوله تعالى في سورة المائدة [ 5 ] : { وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب . . }
ثالثاً : قوله تعالى : { وَلاَ تُنْكِحُواْ المشركين } بضم التاء هنا لأنه من الرباعي ( أنكح ) وهو يتعدى إلى مفعولين الأول ( المشركين ) والثاني محذوف وهو ( المؤمنات ) أي ولا تزوجوا المشركين المؤمنات .
وأما قوله تعالى : { وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات } فهو من الثلاثي ( نكح ) أي لا تتزوجوا المشركات وهو يتعدى إلى مفعول واحد فقط .
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : المراد بالنكاح هنا العقد بالإجماع أي لا تتزوجوا بالمشركات .
قال الكرخي : المراد بالنكاح العقد لا الوطء حتى قيل : إنه لم يرد في القرآن بمعنى الوطء أصلاً ، لأن القرآن يكني وهذا من لطيف ألفاظه .
قال ابن جني : « سألت أبا علي عن قولهم : نكح المرأة فقال : فرّقت العرب في الاستعمال فرقاً لطيفاً حتى لا يحصل الالتباس ، فإذا قالوا : نكح فلانٌ فلانةً : أرادوا أنه تزوجها وعقد عليها ، وإذا قالوا : نكح امرأته أو زوجته لم يريدوا غير المجامعة ، لأنه إذا ذكر امرأته أو زوجته فقد استغنى عن ذكر العقد فلم تحتمل الكلمة غير المجامعة » .
اللطيفة الثانية : في قوله تعالى : { خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } إشارة لطيفة إلى أن الذي ينبغي أن يراعي في الزواج ( الخلق والدين ) لا الجمال والحسب ، والمال ، كما قال عليه الصلاة والسلام : « لا تنكحوا النساء لحسنهن فعسى حسنُهنّ أن يرديهن ، ولا تنكحوهن على أموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ، وانكحوهنّ على الدين ولأَمةٌ سوداء خرقاء ذات دين أفضل » .
اللطيفة الثالثة : من المعلوم أن المغفرة قبل دخول الجنة ، ولذلك قدمت في غير هذه الآية { وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ } [ آل عمران : 133 ] وإنما قدمت الجنة هنا لرعاية مقابلة النار لتكمل وتظهر المقابلة { أولئك يَدْعُونَ إِلَى النار والله يدعوا إِلَى الجنة والمغفرة بِإِذْنِهِ } .
اللطيفة الرابعة : في الآية الكريمة من المحسنّات البديعة ما يسمى ب ( المقابلة ) فقد جاء بلفظ ( أمة ) ويقابلها ( العبد ) وبلفظ ( مؤمنة ) ويقابلها ( المشركة ) وبلفظ ( الجنة ) ويقابلها ( النار ) فهي مقابلة لطيفة بديعة تزيد الكلام رونقاً وجمالاً ، والفرق بين ( المقابلة ) و ( الطباق ) أن المقابلة تكون بين معنيين أو أكثر متوافقة ، ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب ، أما الطباق فيكون بين لفظين مثل ( الأول والآخر ) ومثل ( أضحك وأبكى ) .
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل يحرم نكاح الكتابيات؟
دل قوله تعالى : { وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ } على حرمة نكاح المجوسيات والوثنيات .
وأما الكتابيات فيجوز نكاحهن لقوله تعالى في سورة المائدة [ 5 ] : { وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب . . }
(1/124)
الآية أي العفيفات من أهل الكتاب ، وهذا قول جمهور العلماء ، وبه قال الأئمة الأربعة .
وذهب ابن عمر رضي الله عنهما إلى تحريم نكاح الكتابيات ، وكان إذا سئل عن نكاح الرجل النصرانية أو اليهودية قال : « حرّم الله تعالى المشركات على المسلمين ، ولا أعرف شيئاً من الإشراك أعظم من أن يقول المرأة : ربّها عيسى ، أو عبدٌ من عباد الله تعالى » .
وإلى هذا ذهب الإمامية ، وبعض الزيدية وجعلوا آية المائدة منسوخة بهذه الآية نخس الخاص بالعام .
حجة الجمهور :
أ - احتج الجمهور بأن لفظ ( المشركات ) لا يتناول أهل الكتاب لقوله تعالى : { مَّا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب وَلاَ المشركين } [ البقرة : 105 ] وقوله : { لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين } [ البينة : 1 ] قد عطف المشركين على أهل الكتاب ، والعطفُ يقتضي المغايرة ، فظاهر لفظ ( المشركات ) لا يتناول الكتابيات .
ب - واستدلوا بما روي عن السلف من إباحة الزواج بالكتابيات ، فقد قال قتادة في تفسير الآية إن المراد بالمشركات ( مشركات العرب ) اللاتي ليس لهن كتاب يقرأنه .
وعن حماد قال : سألت إبراهيم عن تزوج اليهودية والنصرانية فقال : لا بأس به ، فقلت : أليس الله تعالى يقول : { وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات } ؟ فقال : إنما تلك المجوسيات وأهل الأوثان .
ج - وقالوا : لا يجوز أن تكون آية البقرة ناسخة لآية المائدة ، لأن البقرة من أول ما نزل بالمدينة ، والمائدة من آخر ما نزل ، والقاعدة أن المتأخر ينسخ المتقدم لا العكس .
د - واستدلوا بما روي أن حذيفة تزوج يهودية ، فكتب إليه عمر خلّ سبيلها ، فكتب إليه أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها؟ فقال : لا أزعم أنها حرام ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن .
فدل على أن عمر فعل هذا من باب الحيطة والحذر ، لا أنه حرم نكاح الكتابيات .
ه - واستدلوا بالحديث الذي رواه عبد الرحمن بن عوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في المجوس : « سنوا بهم سنّة أهل الكتاب ، غير ناكحي نسائهم ، ولا آكلي ذبائحهم » .
فلو لم يكن نكاح نسائهم جائزاً لم يكن لذكره فائدة .
قال الطبري بعد سرده للأقوال : « وأولى الأقوال بتأويل الآية ام قاله ( قتادة ) من أن الله تعالى ذكره عنى بقوله : { وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات } من لم يكن من أهل الكتاب من المشركات ، وأن الآية عام ظاهرها ، خاص باطنها ، لم يُنسخ منها شيء ، وأن نساء أهل الكتاب غير داخلات فيها ، وذلك أن الله تعالى أحل بقوله : { والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ } [ المائدة : 5 ] للمؤمنين من نكاح محصناتهن مثل الذي أباح لهم من نساء المؤمنات ، وقد روي عن عمر أنه قال : ( المسلم يتزوج النصرانية ، ولا يتزوج النصراني المسلمة ) وإنما كره عمر لطلحة وحذيفة نكاح اليهودية والنصرانية ، حذراً من أن يقتدي بهما الناس في ذلك فزهدوا في المسلمات ، أو لغير ذلك من المعاني فأمرهما بتخليتهما » .
وذهب ابن عمر رضي الله عنهما إلى تحريم نكاح الكتابيات ، وكان إذا سئل عن نكاح الرجل النصرانية أو اليهودية قال : « حرّم الله تعالى المشركات على المسلمين ، ولا أعرف شيئاً من الإشراك أعظم من أن يقول المرأة : ربّها عيسى ، أو عبدٌ من عباد الله تعالى » .
وإلى هذا ذهب الإمامية ، وبعض الزيدية وجعلوا آية المائدة منسوخة بهذه الآية نخس الخاص بالعام .
حجة الجمهور :
أ - احتج الجمهور بأن لفظ ( المشركات ) لا يتناول أهل الكتاب لقوله تعالى : { مَّا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب وَلاَ المشركين } [ البقرة : 105 ] وقوله : { لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين } [ البينة : 1 ] قد عطف المشركين على أهل الكتاب ، والعطفُ يقتضي المغايرة ، فظاهر لفظ ( المشركات ) لا يتناول الكتابيات .
ب - واستدلوا بما روي عن السلف من إباحة الزواج بالكتابيات ، فقد قال قتادة في تفسير الآية إن المراد بالمشركات ( مشركات العرب ) اللاتي ليس لهن كتاب يقرأنه .
وعن حماد قال : سألت إبراهيم عن تزوج اليهودية والنصرانية فقال : لا بأس به ، فقلت : أليس الله تعالى يقول : { وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات } ؟ فقال : إنما تلك المجوسيات وأهل الأوثان .
ج - وقالوا : لا يجوز أن تكون آية البقرة ناسخة لآية المائدة ، لأن البقرة من أول ما نزل بالمدينة ، والمائدة من آخر ما نزل ، والقاعدة أن المتأخر ينسخ المتقدم لا العكس .
د - واستدلوا بما روي أن حذيفة تزوج يهودية ، فكتب إليه عمر خلّ سبيلها ، فكتب إليه أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها؟ فقال : لا أزعم أنها حرام ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن .
فدل على أن عمر فعل هذا من باب الحيطة والحذر ، لا أنه حرم نكاح الكتابيات .
ه - واستدلوا بالحديث الذي رواه عبد الرحمن بن عوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في المجوس : « سنوا بهم سنّة أهل الكتاب ، غير ناكحي نسائهم ، ولا آكلي ذبائحهم » .
فلو لم يكن نكاح نسائهم جائزاً لم يكن لذكره فائدة .
قال الطبري بعد سرده للأقوال : « وأولى الأقوال بتأويل الآية ام قاله ( قتادة ) من أن الله تعالى ذكره عنى بقوله : { وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات } من لم يكن من أهل الكتاب من المشركات ، وأن الآية عام ظاهرها ، خاص باطنها ، لم يُنسخ منها شيء ، وأن نساء أهل الكتاب غير داخلات فيها ، وذلك أن الله تعالى أحل بقوله : { والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ } [ المائدة : 5 ] للمؤمنين من نكاح محصناتهن مثل الذي أباح لهم من نساء المؤمنات ، وقد روي عن عمر أنه قال : ( المسلم يتزوج النصرانية ، ولا يتزوج النصراني المسلمة ) وإنما كره عمر لطلحة وحذيفة نكاح اليهودية والنصرانية ، حذراً من أن يقتدي بهما الناس في ذلك فزهدوا في المسلمات ، أو لغير ذلك من المعاني فأمرهما بتخليتهما » .
(1/125)
أقول : رحم الله عمر فقد كان ينظر إلى مصالح المسلمين ، ويسوسهم بالنظر والمصلحة ، وما أحوجنا إلى مثل هذه السياسة الحكيمة!!
الحكم الثاني : من هم المشركون الذين يحرم تزويجهم؟
دلّ قوله تعالى : { وَلاَ تُنْكِحُواْ المشركين حتى يُؤْمِنُواْ } على حرمة تزويج المشرك بالمسلمة ، والمراد بالمشرك هنا كل كافر لا يدين بدين الإسلام ، فيشمل الوثني ، والمجوسي ، واليهودي ، والنصراني ، والمرتد عن الإسلام فكل هؤلاء يحرم تزويجهم بالمسلمة ، والعلة في ذلك أن الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه . فللمسلم أن يتزوج باليهودية أو النصرانية وليس لليهودي أو النصراني أن يتزوج بالمسلمة ، وقد بيَّن الباري جل وعلا السبب بقوله : { أولئك يَدْعُونَ إِلَى النار } أي يدعون إلى الكفر الذي هو سبب دخول نار جهنم ، فالرجل له سلطة وولاية على المرأة ، فربما أجبرها على ترك دينها وحملها على أن تكفر بالإسلام ، والأولاد يتبعون الأب فإذا كان الأب نصرانياً أو يهودياً . ربّاهم على اليهودية أو النصرانية فيصير الولد من أهل النار .
ومن ناحية أخرى فإن المسلم يعظّم موسى وعيسى عليهما السلام . ويؤمن برسالتهما ويعتقد بالتوارة والإنجيل التي أنزلها الله ولا يحمله إيمانه على إيذاء زوجته ( اليهودية ) أو ( النصرانية ) مثلاً بسبب العقيدة ، لأنه يلتقي معها على الإيمان بالله ، وتعظيم رسله ، فلا يكون اختلاف الدين سبباً للأذى أو الاعتداء ، بخلاف غير المسلم الذي لا يؤمن بالقرآن ولا برسالة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، فإن عدم إيمانه يدعوه إلى إيذاء المسلمة والاستخفاف بدينها .
سألني طالب غير مسلم كان قد حضر عندي درس الدين في مدينة حلب : لماذا يتزوج المسلم بالنصرانية ، ولا يتزوج النصراني المسلمة؟ يقصد التعريض والغمز بالمسلمين بأنهم متعصبون ، فقلت له : نحن المسلمين نؤمن بنبيكم ( عيسى ) وكتابكم ( الإنجيل ) فإذا آمنتم بنبينا وكتابنا نزوجكم من بناتنا . . فمن منا المتعصب؟ فبهت الذي كفر .
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
أولاً - حرمة الزواج بالمشركة الوثنية التي ليس لها كتاب سماوي .
ثانياً - حرمة تزويج الكفار ( وثنيين أو أهل كتاب ) من النساء المسلمات .
ثالثاً - إباحة الزواج من الكتابية ( اليهودية أو النصرانية ) إذا لم يخش الضرر على الأولاد .
رابعاً - التفاوت بين الناس بالعمل الصالح ، فالأَمَةُ المؤمنة أفضل من الحرة المشركة .
خامساً - المشرك يجهد نفسه لحمل المؤمنة على الكفر بالله فلا يليق أن يقترن بها .
الحكم الثاني : من هم المشركون الذين يحرم تزويجهم؟
دلّ قوله تعالى : { وَلاَ تُنْكِحُواْ المشركين حتى يُؤْمِنُواْ } على حرمة تزويج المشرك بالمسلمة ، والمراد بالمشرك هنا كل كافر لا يدين بدين الإسلام ، فيشمل الوثني ، والمجوسي ، واليهودي ، والنصراني ، والمرتد عن الإسلام فكل هؤلاء يحرم تزويجهم بالمسلمة ، والعلة في ذلك أن الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه . فللمسلم أن يتزوج باليهودية أو النصرانية وليس لليهودي أو النصراني أن يتزوج بالمسلمة ، وقد بيَّن الباري جل وعلا السبب بقوله : { أولئك يَدْعُونَ إِلَى النار } أي يدعون إلى الكفر الذي هو سبب دخول نار جهنم ، فالرجل له سلطة وولاية على المرأة ، فربما أجبرها على ترك دينها وحملها على أن تكفر بالإسلام ، والأولاد يتبعون الأب فإذا كان الأب نصرانياً أو يهودياً . ربّاهم على اليهودية أو النصرانية فيصير الولد من أهل النار .
ومن ناحية أخرى فإن المسلم يعظّم موسى وعيسى عليهما السلام . ويؤمن برسالتهما ويعتقد بالتوارة والإنجيل التي أنزلها الله ولا يحمله إيمانه على إيذاء زوجته ( اليهودية ) أو ( النصرانية ) مثلاً بسبب العقيدة ، لأنه يلتقي معها على الإيمان بالله ، وتعظيم رسله ، فلا يكون اختلاف الدين سبباً للأذى أو الاعتداء ، بخلاف غير المسلم الذي لا يؤمن بالقرآن ولا برسالة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، فإن عدم إيمانه يدعوه إلى إيذاء المسلمة والاستخفاف بدينها .
سألني طالب غير مسلم كان قد حضر عندي درس الدين في مدينة حلب : لماذا يتزوج المسلم بالنصرانية ، ولا يتزوج النصراني المسلمة؟ يقصد التعريض والغمز بالمسلمين بأنهم متعصبون ، فقلت له : نحن المسلمين نؤمن بنبيكم ( عيسى ) وكتابكم ( الإنجيل ) فإذا آمنتم بنبينا وكتابنا نزوجكم من بناتنا . . فمن منا المتعصب؟ فبهت الذي كفر .
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
أولاً - حرمة الزواج بالمشركة الوثنية التي ليس لها كتاب سماوي .
ثانياً - حرمة تزويج الكفار ( وثنيين أو أهل كتاب ) من النساء المسلمات .
ثالثاً - إباحة الزواج من الكتابية ( اليهودية أو النصرانية ) إذا لم يخش الضرر على الأولاد .
رابعاً - التفاوت بين الناس بالعمل الصالح ، فالأَمَةُ المؤمنة أفضل من الحرة المشركة .
خامساً - المشرك يجهد نفسه لحمل المؤمنة على الكفر بالله فلا يليق أن يقترن بها .
(1/126)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)
[ 14 ] اعتزال النساء في الحيض
التحليل اللفظي
{ المحيض } : مصدر ميمي بمعنى الحيض ، كالمعيش بمعنى العيش ، قال رؤبة :
إليك أشكو شدة المعيش ... ومُرّ أعوام نتفن ريشي
أي أشكو شدة العيش ، ويطلق المحيض على الزمان والمكان ويطلق على الحيض مجازاً ، أفاده القرطبي .
وأصل الحيض : السيلان ، يقال : حاض السيل وفاض ، وحاضت الشجرة أي سالت .
قال الأزهري : ومنه قيل للحوض حوض ، لأن الماء يحيض إليه أي يسيل . ويقال للمرأة : حائض ، وحائضة كذا قال الفراء وأنشد :
كحائضةٍ يُزْنى بها غير طاهر ... { أَذًى } : قال عطاء : أذى : أي قذر ، والأذى في اللغة ما يكره من كل شيء ومنه قوله تعالى : { لاَ تُبْطِلُواْ صدقاتكم بالمن والأذى } [ البقرة : 264 ] .
قال في « المصباح » : أذى الشي أذى من باب تعب بمعنى قذر ، وقوله تعالى : { قُلْ هُوَ أَذًى } أي مستقذر .
وقال الطبري : وسمي الحيض أذى لنتن ريحه وقذره ونجاسته .
{ فاعتزلوا } : الاعتزال التنحي عن الشيء والاجتناب له ، ومنه قوله تعالى : { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله } [ مريم : 48 ] والمرادُ باعتزال النساء اجتناب مجامعتهن ، لا ترك المجالسة أو الملامسة فإن ذلك جائز .
{ يَطْهُرْنَ } : بالتخفيف أي ينقطع عنهم دم الحيض ، وبالتشديد ( يَطّهَرْن ) بمعنى يغتسلن .
{ حَرْثٌ } : قال الراغب : الحرث إلقاء البذر في الأرض وتهيؤها للزرع ، ويسمى المحروث حرثاً قال تعالى : { أَنِ اغدوا على حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ } [ القلم : 22 ] .
وقال الجوهري : الحرث : الزرع ، والحارث الزارع ، ومعنى ( حرثٌ ) أي مزرع ومنبت للولد ، والآية على حذف مضاف أي موضع حرثكم ، أو على سبيل التشبيه ففرج المرأة كالأرض ، والنطفة كالبذر ، والولد كالنبات الخارج ، فالحرث بمعنى المحترث ، سمي موضع الشيء باسم الشيء على سبيل المبالغة .
{ أنى شِئْتُمْ } : أي كيف شئتم أو على أي وجهٍ شئتم مقبلة ، أو مدبرة ، أو قائمة ، أو مضجعة بعد أن يكون المأتي في موضع الحرث .
قال الطبري : وقال ابن عباس : ( فاتوا حرثكم أنَّى شئتم ) أي ائتها أنَّى شئت مقبلة ومدبرة ، ما لم تأتها في الدبر والمحيض .
وعن عكرمة : يأتيها كيف شاء ، ما لم يعمل عمل قوم لوط .
{ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ } : أي قدموا الخير والصالح من الأعمال ، لتكون زاداً لكم إلى الآخرة .
{ واتقوا الله } : أي خافوا عذابه بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه .
{ وَبَشِّرِ المؤمنين } : بالثواب والكرامة والفوز بالدرجات العلى في دار النعيم .
المعنى الإجمالي
يسألونك - يا محمد - عن إتيان النساء في حالة الحيض أيحل أم يحرم؟ قل لهم : إن دم الحيض دم مستقذر ، ومعاشرتهن في هذه الحالة فيه أذى لكم ولهن ، فاجتنبوا معاشرة النساء ، ونكاحهن في حالة الحيض ، ولا تقربوهن حتى ينقطع عنهن دم الحيض ويَطْهُرن ، فإذا تطهّرْن بالماء فاغتسلن ، فأتوهن من حيث أمركم الله ، في المكان الذي أحلّه لكم وهو ( القُبُل* مكان النسل والولد ، ولا تأتوهنّ في المكان المحرم ( الدبر ) فإن الله يحب عبده التائب المتنزه عن الفواحش والأقذار .
التحليل اللفظي
{ المحيض } : مصدر ميمي بمعنى الحيض ، كالمعيش بمعنى العيش ، قال رؤبة :
إليك أشكو شدة المعيش ... ومُرّ أعوام نتفن ريشي
أي أشكو شدة العيش ، ويطلق المحيض على الزمان والمكان ويطلق على الحيض مجازاً ، أفاده القرطبي .
وأصل الحيض : السيلان ، يقال : حاض السيل وفاض ، وحاضت الشجرة أي سالت .
قال الأزهري : ومنه قيل للحوض حوض ، لأن الماء يحيض إليه أي يسيل . ويقال للمرأة : حائض ، وحائضة كذا قال الفراء وأنشد :
كحائضةٍ يُزْنى بها غير طاهر ... { أَذًى } : قال عطاء : أذى : أي قذر ، والأذى في اللغة ما يكره من كل شيء ومنه قوله تعالى : { لاَ تُبْطِلُواْ صدقاتكم بالمن والأذى } [ البقرة : 264 ] .
قال في « المصباح » : أذى الشي أذى من باب تعب بمعنى قذر ، وقوله تعالى : { قُلْ هُوَ أَذًى } أي مستقذر .
وقال الطبري : وسمي الحيض أذى لنتن ريحه وقذره ونجاسته .
{ فاعتزلوا } : الاعتزال التنحي عن الشيء والاجتناب له ، ومنه قوله تعالى : { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله } [ مريم : 48 ] والمرادُ باعتزال النساء اجتناب مجامعتهن ، لا ترك المجالسة أو الملامسة فإن ذلك جائز .
{ يَطْهُرْنَ } : بالتخفيف أي ينقطع عنهم دم الحيض ، وبالتشديد ( يَطّهَرْن ) بمعنى يغتسلن .
{ حَرْثٌ } : قال الراغب : الحرث إلقاء البذر في الأرض وتهيؤها للزرع ، ويسمى المحروث حرثاً قال تعالى : { أَنِ اغدوا على حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ } [ القلم : 22 ] .
وقال الجوهري : الحرث : الزرع ، والحارث الزارع ، ومعنى ( حرثٌ ) أي مزرع ومنبت للولد ، والآية على حذف مضاف أي موضع حرثكم ، أو على سبيل التشبيه ففرج المرأة كالأرض ، والنطفة كالبذر ، والولد كالنبات الخارج ، فالحرث بمعنى المحترث ، سمي موضع الشيء باسم الشيء على سبيل المبالغة .
{ أنى شِئْتُمْ } : أي كيف شئتم أو على أي وجهٍ شئتم مقبلة ، أو مدبرة ، أو قائمة ، أو مضجعة بعد أن يكون المأتي في موضع الحرث .
قال الطبري : وقال ابن عباس : ( فاتوا حرثكم أنَّى شئتم ) أي ائتها أنَّى شئت مقبلة ومدبرة ، ما لم تأتها في الدبر والمحيض .
وعن عكرمة : يأتيها كيف شاء ، ما لم يعمل عمل قوم لوط .
{ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ } : أي قدموا الخير والصالح من الأعمال ، لتكون زاداً لكم إلى الآخرة .
{ واتقوا الله } : أي خافوا عذابه بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه .
{ وَبَشِّرِ المؤمنين } : بالثواب والكرامة والفوز بالدرجات العلى في دار النعيم .
المعنى الإجمالي
يسألونك - يا محمد - عن إتيان النساء في حالة الحيض أيحل أم يحرم؟ قل لهم : إن دم الحيض دم مستقذر ، ومعاشرتهن في هذه الحالة فيه أذى لكم ولهن ، فاجتنبوا معاشرة النساء ، ونكاحهن في حالة الحيض ، ولا تقربوهن حتى ينقطع عنهن دم الحيض ويَطْهُرن ، فإذا تطهّرْن بالماء فاغتسلن ، فأتوهن من حيث أمركم الله ، في المكان الذي أحلّه لكم وهو ( القُبُل* مكان النسل والولد ، ولا تأتوهنّ في المكان المحرم ( الدبر ) فإن الله يحب عبده التائب المتنزه عن الفواحش والأقذار .
(1/127)
ثم أكد تعالى النهي عن إتيان النساء في غير المحل المعهود الذي أباحه للرجال فقال ما معناه : نساؤكم - أيها الناس - مكان زرعكم وموضع نسلكم ، وفي أرحامهن يتكوّن الجنين والولد ، فأتوا نساءكم كيف شئتم ومن أي وجهٍ أحببتم بعد أن يكون في موضع النسل والذرية ، قال ابن عباس : ( اسق نباتك من حيث ينبت ) وقدموا - أيها الناس المؤمنون - لأنفسكم صالح الأعمال وراقبوا الله وخافوه في تصرفاتكم ، واخشوا يوماً تلقون فيه ربكم فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته وبشر المؤمنين بالكرامة والسيادة والنعيم المقيم في دار الكرامة .
سبب النزول
أولاً : عن أنس رضي الله عنه قال : « » كانت اليهود إذا حاضت امرأة منهن لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت ، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحيض قُلْ هُوَ أَذًى فاعتزلوا النسآء فِي المحيض } فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤاكلوهن ويشاربوهن وأن يكونوا معهن في البيوت ، وأن يفعلوا كل شيء إلا النكاح ، فقالت اليهود : ما يريد محمد أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه ، فجاء ( عبّاد بن بشر ) و ( أُسَيْد بن خصير ) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بذلك وقالا يا رسول الله : أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتمعّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظنّنا أنه غضب عليهما ، فاستقبلتهما هدية من لبن فأرسل لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقاهما فعلما أنه لم يغضب « .
ثانياً : وعن جابر رضي الله عنه قال : » كانت اليهود تقول : من أتى امرأته في قُبُلها من دُبُرها كان الولد أحول ، فنزلت { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ } .
وجوه القراءات
قرأ الجمهور { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ } بسكون الطاء وضم الهاء ، وقرأ حمزة والكسائي ( يَطّهّرْن ) بتشديد الهاء والطاء وفتحهما ، ورجّح الطبراني قراءة تشديد الطاء وقال : هي بمعنى يغتسلن .
قال الفخر : « فمن خفّف فهو زوال الدم من طهرت المرأة من حيضها إذا انقطع الحيض ، والمعنى : لا تقربوهنّ حتى يزول عنهن الدم ، ومن قرأ بالتشديد فهو على معنى يتطهّرن » .
وجوه الإعراب
قوله تعالى : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } مبتدأ أو خبر ، وقوله : { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ } كلمة ( أنّى ) تأتي في اللغة العربية بمعنى ( من أين ) ومنه قوله تعالى : { قَالَ يامريم أنى لَكِ هذا } [ آل عمران : 37 ] ؟ أي من أين ، وتأتي بمعنى ( متى ) و ( كيف ) تقول : سافر أنّى شئت ، واجلس أنّى أردت أي سافر متى شئت ، واجلس كيف أردت ، والمعنى المراد في الآية ( كيف ) أي أتوا حرثكم كيف شئتم قائمة أو قاعدة أو مضجعة ولا يجوز أن يكون المراد ( من أين شئتم ) كما فهم بعض الجهال فأباحوا إتيان المرأة في دبرها .
سبب النزول
أولاً : عن أنس رضي الله عنه قال : « » كانت اليهود إذا حاضت امرأة منهن لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت ، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحيض قُلْ هُوَ أَذًى فاعتزلوا النسآء فِي المحيض } فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤاكلوهن ويشاربوهن وأن يكونوا معهن في البيوت ، وأن يفعلوا كل شيء إلا النكاح ، فقالت اليهود : ما يريد محمد أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه ، فجاء ( عبّاد بن بشر ) و ( أُسَيْد بن خصير ) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بذلك وقالا يا رسول الله : أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتمعّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظنّنا أنه غضب عليهما ، فاستقبلتهما هدية من لبن فأرسل لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقاهما فعلما أنه لم يغضب « .
ثانياً : وعن جابر رضي الله عنه قال : » كانت اليهود تقول : من أتى امرأته في قُبُلها من دُبُرها كان الولد أحول ، فنزلت { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ } .
وجوه القراءات
قرأ الجمهور { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ } بسكون الطاء وضم الهاء ، وقرأ حمزة والكسائي ( يَطّهّرْن ) بتشديد الهاء والطاء وفتحهما ، ورجّح الطبراني قراءة تشديد الطاء وقال : هي بمعنى يغتسلن .
قال الفخر : « فمن خفّف فهو زوال الدم من طهرت المرأة من حيضها إذا انقطع الحيض ، والمعنى : لا تقربوهنّ حتى يزول عنهن الدم ، ومن قرأ بالتشديد فهو على معنى يتطهّرن » .
وجوه الإعراب
قوله تعالى : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } مبتدأ أو خبر ، وقوله : { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ } كلمة ( أنّى ) تأتي في اللغة العربية بمعنى ( من أين ) ومنه قوله تعالى : { قَالَ يامريم أنى لَكِ هذا } [ آل عمران : 37 ] ؟ أي من أين ، وتأتي بمعنى ( متى ) و ( كيف ) تقول : سافر أنّى شئت ، واجلس أنّى أردت أي سافر متى شئت ، واجلس كيف أردت ، والمعنى المراد في الآية ( كيف ) أي أتوا حرثكم كيف شئتم قائمة أو قاعدة أو مضجعة ولا يجوز أن يكون المراد ( من أين شئتم ) كما فهم بعض الجهال فأباحوا إتيان المرأة في دبرها .
(1/128)
قال القرطبي : « أنّى شئتم » معناه عند الجمهور من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة و ( أنّى ) تجيء سؤالاً وإخباراً عن أمر له جهات ، فهو أعم في اللغة من ( كيف ) ومن ( أين ) ومن ( متى ) هذا هو الاستعمال العربي في أنّى .
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : كان اليهود يبالغون في التباعد عن المرأة حالة الحيض ، فلا يؤاكلونها ولا يشاربونها ولا يساكنونها في بيت واحد ، ويعتبرونها كأنها داءٌ أو رجس وقذر ، وكان النصارى يفرطون في التساهل فيجامعونهن ولا يبالون بالحيض ، فجاء الإسلام بالحدّ الوسط ( افعلوا كلّ شيء إلا النكاح ) وهذا من محاسن الشريعة الإسلامية الغراء حيث أمر المسلمين بالاقتصاد بين الأمرين .
اللطيفة الثانية : لفظ ( المحيض ) قد يكون اسماً للحيض نفسه ، وقد يكون اسماً لموضع الحيض كالمبيت والمقيل موضع البيتوتة وموضع القيلولة ، ولكن في الآية الكريمة ما يشير إلى أن المراد بالمحيض هو ( الحيض ) لأن الجواب ورد بقوله تعالى : { قُلْ هُوَ أَذًى } وذلك صفة لنفس الحيض لا للموضع الذي فيه . أفاده العلامة الجصاص .
اللطيفة الثالثة : قال ابن العربي : « سمعت الشاشي في مجلس النظر يقول : إذا قيل : لا تَقْرَب ( بفتح الراء كان معناه : لا تَلْبَس بالفعل ، وإن كان بضم الراء كان معناه : لا تدن منه » فلما قال تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ } دلّ على أن المراد النهي عن ملابسة الفعل وهو إتيانهن في حالة الحيض .
اللطيفة الرابعة : روى الطبري عن مجاهد أنه قال : « عرضتُ المصحف على ابن عباس ثلاث عَرَضات ، من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية وأسأله عنها ، حتى انتهى إلى هذه الآية { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ } فقال ابن عباس : إن هذا الحيّ من قريش كانوا يشرحون النساء بمكة ، ويتلذّذون بهن مقبلات ومدبرات ، فلمّا قدموا المدينة تزوجوا في الأنصار ، فذهبوا ليفعلوا بهن كما كانوا يفعلون بالنساء بمكة ، فأنكرن ذلك وقلن : هذا شيء لم نكن نؤتى عليه ، فانتشر الحديث حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى ذكره { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ } إن شئت فمقبلة ، وإن شئت فمدبرة ، وإن شئت فباركه ، وإنما يعني بذلك موضع الولد للحرث » .
اللطيفة الخامسة : شبّه الله المرأة بالحرث ، أي أنها مزرع ومنبت للولد كالأرض للنبات ، وهذا التشبيه يبيّن أن الإباحة لا تكون إلا في الفرج خاصة ، إذ هو مزرع الولد ، وقد أنشد ثعلب .
إنما الأرحام أرضو ... ن لنا محترثات
فعلينا الزرع فيها ... وعلى الله النبات
فجعل رحم المرأة كالأرض ، والنطفة كالبذر ، والولد كالنبات الخارج .
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : ما الذي يجب اعتزاله من المرأة حالة الحيض؟
اختلف أهل العلم فيما يجب اعتزاله من المرأة في حالة الحيض على أقوال :
أ - الذي يجب اعتزاله جميع بدن المرأة ، وهو مروي عن ابن عباس وعبيدة السلماني .
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : كان اليهود يبالغون في التباعد عن المرأة حالة الحيض ، فلا يؤاكلونها ولا يشاربونها ولا يساكنونها في بيت واحد ، ويعتبرونها كأنها داءٌ أو رجس وقذر ، وكان النصارى يفرطون في التساهل فيجامعونهن ولا يبالون بالحيض ، فجاء الإسلام بالحدّ الوسط ( افعلوا كلّ شيء إلا النكاح ) وهذا من محاسن الشريعة الإسلامية الغراء حيث أمر المسلمين بالاقتصاد بين الأمرين .
اللطيفة الثانية : لفظ ( المحيض ) قد يكون اسماً للحيض نفسه ، وقد يكون اسماً لموضع الحيض كالمبيت والمقيل موضع البيتوتة وموضع القيلولة ، ولكن في الآية الكريمة ما يشير إلى أن المراد بالمحيض هو ( الحيض ) لأن الجواب ورد بقوله تعالى : { قُلْ هُوَ أَذًى } وذلك صفة لنفس الحيض لا للموضع الذي فيه . أفاده العلامة الجصاص .
اللطيفة الثالثة : قال ابن العربي : « سمعت الشاشي في مجلس النظر يقول : إذا قيل : لا تَقْرَب ( بفتح الراء كان معناه : لا تَلْبَس بالفعل ، وإن كان بضم الراء كان معناه : لا تدن منه » فلما قال تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ } دلّ على أن المراد النهي عن ملابسة الفعل وهو إتيانهن في حالة الحيض .
اللطيفة الرابعة : روى الطبري عن مجاهد أنه قال : « عرضتُ المصحف على ابن عباس ثلاث عَرَضات ، من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية وأسأله عنها ، حتى انتهى إلى هذه الآية { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ } فقال ابن عباس : إن هذا الحيّ من قريش كانوا يشرحون النساء بمكة ، ويتلذّذون بهن مقبلات ومدبرات ، فلمّا قدموا المدينة تزوجوا في الأنصار ، فذهبوا ليفعلوا بهن كما كانوا يفعلون بالنساء بمكة ، فأنكرن ذلك وقلن : هذا شيء لم نكن نؤتى عليه ، فانتشر الحديث حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى ذكره { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ } إن شئت فمقبلة ، وإن شئت فمدبرة ، وإن شئت فباركه ، وإنما يعني بذلك موضع الولد للحرث » .
اللطيفة الخامسة : شبّه الله المرأة بالحرث ، أي أنها مزرع ومنبت للولد كالأرض للنبات ، وهذا التشبيه يبيّن أن الإباحة لا تكون إلا في الفرج خاصة ، إذ هو مزرع الولد ، وقد أنشد ثعلب .
إنما الأرحام أرضو ... ن لنا محترثات
فعلينا الزرع فيها ... وعلى الله النبات
فجعل رحم المرأة كالأرض ، والنطفة كالبذر ، والولد كالنبات الخارج .
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : ما الذي يجب اعتزاله من المرأة حالة الحيض؟
اختلف أهل العلم فيما يجب اعتزاله من المرأة في حالة الحيض على أقوال :
أ - الذي يجب اعتزاله جميع بدن المرأة ، وهو مروي عن ابن عباس وعبيدة السلماني .
(1/129)
ب - الذي يجب اعتزاله ما بين السرة إلى الركبة ، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك .
ج - الذي يجب اعتزاله موضع الأذى وهو الفرج فقط ، وهذا مذهب الشافعي .
حجة المذهب الأول : أن الله أمر باعتزال النساء ، ولم يخصص من ذلك شيئاً دون شيء ، فوجب اعتزال جميع بدن المرأة لعموم الآية { فاعتزلوا النسآء فِي المحيض } .
قال القرطبي : « وهذا قول شاذ خارج عن قول العلماء ، وإن كان عموم الآية يقتضيه فالسنة الثابتة بخلافة » .
ب - حجة المذهب الثاني : واحتج أبو حنيفة ومالك بما روي عن عائشة قالت : « كنتُ أغتسل أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد كلانا جنبٌ ، وكان يأمرني فأتّزر فيباشرني وأنا حائض » وما روي عن عن ميمونة أنها قالت : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر نساءه فوق الإزار وهنّ حيّض »
ج - حجة المذهب الثالث : واحتج الإمام الشافعي بقوله صلى الله عليه وسلم « اصنعوا كل شيء إلا النكاح » وما روي عن مسروق قال : ( سألت عائشة ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً؟ قالت : كلّ شيء إلاّ الجماع ) .
وفي رواية أخرى : ( إن مسروقاً ركب إلى عائشة فقال : السلام على النبي وعلى أهل بيته ، فقالت عائشة : أبو عائشة مرحباً فأذنوا له ، فقال : إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا استحي ، فقالت : إنما أنا أمك وأنت ابني ، فقال : ما للرجل من امرأته وهي حائض؟ قالت : له كل شيء إلا فرجها ) .
الترجيح : ومن استعراض الأدلة يترجح لدينا المذهب الثاني ، وهو الذي اختاره ابن جرير الطبري حيث قال : « وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : إن للرجل من امرأته الحائض ما فوق المؤتزر ودونه » . والعلة أن السماح بالمباشرة فيما بين السرة إلى الركبة قد تؤدي إلى المحظور ، لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، فالاحتياط أن نبعده عن منطقة الحظر وقد قالت عائشة رضي الله عنها بعد أن روت حديث المباشرة : وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه؟ ومن جهةٍ أخرى إذا اجتمع حديثان أحدهما فيه الإباحة والثاني فيه الحظر ، قدّم ما فيه الحظر ، كما قال علماء الأصول والله أعلم .
الحكم الثاني : ما هي كفارة من أتى امرأة وهي حائض؟
أجمع العلماء على حرمة إتيان المرأة في حالة الحيض ، واختلفوا فيمن فعل ذلك ماذا يجب عليه؟
فقال الجمهور : ( مالك والشافعي وأبو حنيفة ) : يستغفر الله ولا شيء عليه سوى التوبة والاستغفار .
وقال أحمد : يتصدق بدينار أو نصف دينار ، لحديث ابن عباس
ج - الذي يجب اعتزاله موضع الأذى وهو الفرج فقط ، وهذا مذهب الشافعي .
حجة المذهب الأول : أن الله أمر باعتزال النساء ، ولم يخصص من ذلك شيئاً دون شيء ، فوجب اعتزال جميع بدن المرأة لعموم الآية { فاعتزلوا النسآء فِي المحيض } .
قال القرطبي : « وهذا قول شاذ خارج عن قول العلماء ، وإن كان عموم الآية يقتضيه فالسنة الثابتة بخلافة » .
ب - حجة المذهب الثاني : واحتج أبو حنيفة ومالك بما روي عن عائشة قالت : « كنتُ أغتسل أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد كلانا جنبٌ ، وكان يأمرني فأتّزر فيباشرني وأنا حائض » وما روي عن عن ميمونة أنها قالت : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر نساءه فوق الإزار وهنّ حيّض »
ج - حجة المذهب الثالث : واحتج الإمام الشافعي بقوله صلى الله عليه وسلم « اصنعوا كل شيء إلا النكاح » وما روي عن مسروق قال : ( سألت عائشة ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً؟ قالت : كلّ شيء إلاّ الجماع ) .
وفي رواية أخرى : ( إن مسروقاً ركب إلى عائشة فقال : السلام على النبي وعلى أهل بيته ، فقالت عائشة : أبو عائشة مرحباً فأذنوا له ، فقال : إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا استحي ، فقالت : إنما أنا أمك وأنت ابني ، فقال : ما للرجل من امرأته وهي حائض؟ قالت : له كل شيء إلا فرجها ) .
الترجيح : ومن استعراض الأدلة يترجح لدينا المذهب الثاني ، وهو الذي اختاره ابن جرير الطبري حيث قال : « وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : إن للرجل من امرأته الحائض ما فوق المؤتزر ودونه » . والعلة أن السماح بالمباشرة فيما بين السرة إلى الركبة قد تؤدي إلى المحظور ، لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، فالاحتياط أن نبعده عن منطقة الحظر وقد قالت عائشة رضي الله عنها بعد أن روت حديث المباشرة : وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه؟ ومن جهةٍ أخرى إذا اجتمع حديثان أحدهما فيه الإباحة والثاني فيه الحظر ، قدّم ما فيه الحظر ، كما قال علماء الأصول والله أعلم .
الحكم الثاني : ما هي كفارة من أتى امرأة وهي حائض؟
أجمع العلماء على حرمة إتيان المرأة في حالة الحيض ، واختلفوا فيمن فعل ذلك ماذا يجب عليه؟
فقال الجمهور : ( مالك والشافعي وأبو حنيفة ) : يستغفر الله ولا شيء عليه سوى التوبة والاستغفار .
وقال أحمد : يتصدق بدينار أو نصف دينار ، لحديث ابن عباس
(1/130)
« عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال : يتصدق بدينار أو بنصف دينار » .
وقال بعض أهل الحديث : إن وطئ في الدم فعليه دينار ، وإن وطئ في انقطاعه فنصف دينار .
قال القرطبي : « حجة من لم يوجب عليه كفارة إلا الاستغفار والتوبة هذا الحديث عن ابن عباس ، وأن مثله لا تقوم به حجة ، وأن الذمة على البراءة » .
الحكم الثالث : ما هي مدة الحيض ، وما هو أقله وأكثره؟
اختلف الفقهاء في مدة الحيض ، ومقدار أقله وأكثره على أقوال :
الأول : قال أبو حنيفة والثوري : أٌله ثلاثة أيام ، وأكثره عشرة .
الثاني : وقال الشافعي وأحمد : أقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشرة يوماً .
الثالث : وقال مالك في المشهور عنه : لا وقت لقليل الحيض ولا لكثيره والعبرة بعادة النساء .
حجة أبو حنيفة : حديث أبي أمامة ( أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام ) قال الجصاص : « فإن صحّ هذا الحديث فلا معدل عنه لأحد » .
واحتج الشافعي بحديث : « تمكث إحداهن شطر عمرها لا تصلي ) والشطر في اللغة النصف ، فهذا يدل على أن الحيض قد يكون خمسة عشر يوماً .
أقول : ليس في الآية ما يدل على أقل مدة الحيض ولا أكثره ، وإنما هو أمر اجتهادي يرجع فيه إلى كتب الفروع ، وتعرف الأدلة من الأخبار والآثار فارجع إليها هناك والله يتولاك .
الحكم الرابع : متى يحل قربان المرأة؟
دلّ قوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ } على أنه لا يحل للرجل قربان المرأة في حالة الحيض حتى تطهر ، وقد اختلف الفقهاء في الطهر ما هو؟
أ - فذهب أبو حنيفة : إلى أن المراد بالطهر انقطاع الدم ، فإذا انقطع دم الحيض جاز للرجل أن يطأها قبل الغسل ، إلاّ أنه إذا انقطع دمها لأكثر الحيض وهو ( عشرة أيام ) جاز وطؤها قبل الغسل ، وإن كان انقطاعه قبل العشرة لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت صلاة .
ب - وذهب الجمهور ( مالك والشافعي وأحمد ) إلى أن الطهر الذي يحل به الجماع ، هو تطهرها بالماء كطهور الجنب ، وأنها لا تحل حتى ينقطع الحيض وتغتسل بالماء .
ج - وذهب طاووس ومجاهد إلى أنه يكفي في حلّها أن تغسل فرجها وتتوضأ للصلاة .
وسبب الخلاف : أن الله تعالى قال : { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله } الأولى بالتخفيف ، والثانية بالتشديد ، وكلمة ( طَهُر ) يستعمل فيما لا كسب فيه للإنسان وهو انقطاع دم الحيض ، وأمّا ( تطهّر ) فيستعمل فيما يكتسبه الإنسان بفعله وهو الاغتسال بالماء .
فحمل أبو حنيفة : ( حتى يَطْهُرن ) على انقطاع دم الحيض ، وقوله : { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } على معنى فإذا انقطع دم الحيض ، فاستعمل المشدّد بمعنى المخفّف .
وقال الجمهور معنى الآية : » ولا تقربوهنّ حتّى يغتسلن ، فإذا اغتسلن فأتوهن « فاستعملوا المخفّف بمعنى المشدّد ، واستدلوا بقراءة حمزة والكسائي ( حتّى يطهّرَن ) بالتشديد في الموضعين .
وقال بعض أهل الحديث : إن وطئ في الدم فعليه دينار ، وإن وطئ في انقطاعه فنصف دينار .
قال القرطبي : « حجة من لم يوجب عليه كفارة إلا الاستغفار والتوبة هذا الحديث عن ابن عباس ، وأن مثله لا تقوم به حجة ، وأن الذمة على البراءة » .
الحكم الثالث : ما هي مدة الحيض ، وما هو أقله وأكثره؟
اختلف الفقهاء في مدة الحيض ، ومقدار أقله وأكثره على أقوال :
الأول : قال أبو حنيفة والثوري : أٌله ثلاثة أيام ، وأكثره عشرة .
الثاني : وقال الشافعي وأحمد : أقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشرة يوماً .
الثالث : وقال مالك في المشهور عنه : لا وقت لقليل الحيض ولا لكثيره والعبرة بعادة النساء .
حجة أبو حنيفة : حديث أبي أمامة ( أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام ) قال الجصاص : « فإن صحّ هذا الحديث فلا معدل عنه لأحد » .
واحتج الشافعي بحديث : « تمكث إحداهن شطر عمرها لا تصلي ) والشطر في اللغة النصف ، فهذا يدل على أن الحيض قد يكون خمسة عشر يوماً .
أقول : ليس في الآية ما يدل على أقل مدة الحيض ولا أكثره ، وإنما هو أمر اجتهادي يرجع فيه إلى كتب الفروع ، وتعرف الأدلة من الأخبار والآثار فارجع إليها هناك والله يتولاك .
الحكم الرابع : متى يحل قربان المرأة؟
دلّ قوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ } على أنه لا يحل للرجل قربان المرأة في حالة الحيض حتى تطهر ، وقد اختلف الفقهاء في الطهر ما هو؟
أ - فذهب أبو حنيفة : إلى أن المراد بالطهر انقطاع الدم ، فإذا انقطع دم الحيض جاز للرجل أن يطأها قبل الغسل ، إلاّ أنه إذا انقطع دمها لأكثر الحيض وهو ( عشرة أيام ) جاز وطؤها قبل الغسل ، وإن كان انقطاعه قبل العشرة لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت صلاة .
ب - وذهب الجمهور ( مالك والشافعي وأحمد ) إلى أن الطهر الذي يحل به الجماع ، هو تطهرها بالماء كطهور الجنب ، وأنها لا تحل حتى ينقطع الحيض وتغتسل بالماء .
ج - وذهب طاووس ومجاهد إلى أنه يكفي في حلّها أن تغسل فرجها وتتوضأ للصلاة .
وسبب الخلاف : أن الله تعالى قال : { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله } الأولى بالتخفيف ، والثانية بالتشديد ، وكلمة ( طَهُر ) يستعمل فيما لا كسب فيه للإنسان وهو انقطاع دم الحيض ، وأمّا ( تطهّر ) فيستعمل فيما يكتسبه الإنسان بفعله وهو الاغتسال بالماء .
فحمل أبو حنيفة : ( حتى يَطْهُرن ) على انقطاع دم الحيض ، وقوله : { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } على معنى فإذا انقطع دم الحيض ، فاستعمل المشدّد بمعنى المخفّف .
وقال الجمهور معنى الآية : » ولا تقربوهنّ حتّى يغتسلن ، فإذا اغتسلن فأتوهن « فاستعملوا المخفّف بمعنى المشدّد ، واستدلوا بقراءة حمزة والكسائي ( حتّى يطهّرَن ) بالتشديد في الموضعين .
(1/131)
وقالوا : مما يدلّ على صحة قولنا أن الله عز وجل علّق الحكم فيها على شرطين :
أحدهما : انقطاع الدم وهو قوله تعالى : ( حتى يطهُرْن ) أي ينقطع عنهن الدم .
والثاني : الاغتسال بالماء ، وهو قوله تعالى : ( فإذا تطهّرن ) أي اغتسلن .
فصار المجموع هو الغاية ، وهذا مثل قوله تعالى : { وابتلوا اليتامى حتى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً } [ النساء : 6 ] فعلّق الحكم وهو جاز دفع الماء على شرطين : أحدهما : بلوغ النكاح ، والثاني : إيناس الرشد ، فلا بدّ من توفرهما معاً .
الترجيح : أقول ما ذهب إليه الجمهور هو الأرجح لأن الله تعالى قد علّل ذلك بقوله : { إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ المتطهرين } وظاهر اللفظ يدل على أن المراد به الطهارة الحسية وهي الاغتسال بالماء . وهذا الذي رجحناه هو اختيار شيخ المفسّرين الطبري ، والعلاّمة ابن العربي والشوكاني والله تعالى أعلم .
الحكم الخامس : ماذا يحرم على المرأة الحيض؟
اتفق العلماء على أن المرأة الحائض يحمر عليها الصلاة ، والصيام ، والطواف ، ودخول المسجد ، ومسّ المصحف ، وقراءة القرآن ، ولا يحل لزوجها أن يقربها حتى تطهر ، وهذه الأحكام تعرف بالتفصيل من كتب الفقه ، والأدلة عليها معروفة وهناك أحكام أخرى ضربنا صفحاً عنها لأنها لا تستنبط ن الآية والله أعلم .
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
1 - وجوب اعتزال المرأة في حالة المحيض حتى تطه من حيضها .
2 - إباحة إتيان المرأة بعد انقطاع الدم والاغتسال بالماء .
3 - حرمة إتيان المرأة في الدبر لأنه ليس مكاناً للحرث .
4 - جواز الاستمتاع بشتى الصور بعد أن يكون في محل نبات الولد .
5 - التحذير من مخالفة أمر الله وارتكاب ما نهى عنه تعالى وحذّر .
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
جعل الله تبارك وتعالى مكاناً لنسل الرجل ، وأحلّ له إتيانها في جميع الأوقات إلا في بعض حالات تكون فيها المرأة متلبّسة بالعبادة كحالة الإحرام ، والاعتكاف ، والصيام ، أو في حالة الطمث ( الحيض ) ، وهي حالة تشبه المرض الحسيّ ، لأنها حالة إلقاء ( البويضة الأنثوية ) التي لم تلقّح من رحم المرأة ، وغالباً ما تصحبها الآلام وتكون المرأة غير مستعدة نفسياً لهذه المباشرة الجنسية ، التي يقصد بها استمتاع كلٍ من الزوجين بالآخر .
ودم الحيض له رائحة كريهة بخلاف سائر الدماء ، وذلك لأأنه من الفضلات التي تدفعها الطبيعة ، وهو دم فاسد ، أسود ، ثخين ، محتدم شديد الحمرة - كما يعرّفه الفقهاء - ورؤية الدم تنفر الطبع ، وتشمئز منها النفس ، فكيف إذا اجتمعت معه هذه الأوصاف الخبيثة؟! فإتيان المرأة في مثل هذه الحالة ، فيه ضرر عظيم يلحق بالمرأة ، كما أن فيه ضررا على الرجل أيضاً ، عبّر عنه القرآن الكريم الدقيق { قُلْ هُوَ أَذًى } وأيّ تعبير أبلغ من هذا التعبير المعجز؟!
وقد أثبت ( الطب الحديث ) الضرر الفادح الذي يلحق بالمرأة من جراء معاشرتها وإتيانهاه في حالة الطمث ، فكثيراً ما يختلط المني المقذوف من الرجل بهذه الدماء ، ويتولد عن ذلك إلتهابات في عنق الرحم ، أو في الرحم نفسه ، أو يتعرض الجنين إلى التشوه إن قدّر هناك حمل ، كما أن الرجل يتعرض لبعض الأضرار الجسمية ، ولهذا ينصح الأطباء بالابتعاد عن المرأة في حالة ( العادة الشهرية ) حتى تطهر من طمثها ، وفي ذلك أكبر برهان على حكمة الشريعة الغراء .
أحدهما : انقطاع الدم وهو قوله تعالى : ( حتى يطهُرْن ) أي ينقطع عنهن الدم .
والثاني : الاغتسال بالماء ، وهو قوله تعالى : ( فإذا تطهّرن ) أي اغتسلن .
فصار المجموع هو الغاية ، وهذا مثل قوله تعالى : { وابتلوا اليتامى حتى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً } [ النساء : 6 ] فعلّق الحكم وهو جاز دفع الماء على شرطين : أحدهما : بلوغ النكاح ، والثاني : إيناس الرشد ، فلا بدّ من توفرهما معاً .
الترجيح : أقول ما ذهب إليه الجمهور هو الأرجح لأن الله تعالى قد علّل ذلك بقوله : { إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ المتطهرين } وظاهر اللفظ يدل على أن المراد به الطهارة الحسية وهي الاغتسال بالماء . وهذا الذي رجحناه هو اختيار شيخ المفسّرين الطبري ، والعلاّمة ابن العربي والشوكاني والله تعالى أعلم .
الحكم الخامس : ماذا يحرم على المرأة الحيض؟
اتفق العلماء على أن المرأة الحائض يحمر عليها الصلاة ، والصيام ، والطواف ، ودخول المسجد ، ومسّ المصحف ، وقراءة القرآن ، ولا يحل لزوجها أن يقربها حتى تطهر ، وهذه الأحكام تعرف بالتفصيل من كتب الفقه ، والأدلة عليها معروفة وهناك أحكام أخرى ضربنا صفحاً عنها لأنها لا تستنبط ن الآية والله أعلم .
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
1 - وجوب اعتزال المرأة في حالة المحيض حتى تطه من حيضها .
2 - إباحة إتيان المرأة بعد انقطاع الدم والاغتسال بالماء .
3 - حرمة إتيان المرأة في الدبر لأنه ليس مكاناً للحرث .
4 - جواز الاستمتاع بشتى الصور بعد أن يكون في محل نبات الولد .
5 - التحذير من مخالفة أمر الله وارتكاب ما نهى عنه تعالى وحذّر .
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
جعل الله تبارك وتعالى مكاناً لنسل الرجل ، وأحلّ له إتيانها في جميع الأوقات إلا في بعض حالات تكون فيها المرأة متلبّسة بالعبادة كحالة الإحرام ، والاعتكاف ، والصيام ، أو في حالة الطمث ( الحيض ) ، وهي حالة تشبه المرض الحسيّ ، لأنها حالة إلقاء ( البويضة الأنثوية ) التي لم تلقّح من رحم المرأة ، وغالباً ما تصحبها الآلام وتكون المرأة غير مستعدة نفسياً لهذه المباشرة الجنسية ، التي يقصد بها استمتاع كلٍ من الزوجين بالآخر .
ودم الحيض له رائحة كريهة بخلاف سائر الدماء ، وذلك لأأنه من الفضلات التي تدفعها الطبيعة ، وهو دم فاسد ، أسود ، ثخين ، محتدم شديد الحمرة - كما يعرّفه الفقهاء - ورؤية الدم تنفر الطبع ، وتشمئز منها النفس ، فكيف إذا اجتمعت معه هذه الأوصاف الخبيثة؟! فإتيان المرأة في مثل هذه الحالة ، فيه ضرر عظيم يلحق بالمرأة ، كما أن فيه ضررا على الرجل أيضاً ، عبّر عنه القرآن الكريم الدقيق { قُلْ هُوَ أَذًى } وأيّ تعبير أبلغ من هذا التعبير المعجز؟!
وقد أثبت ( الطب الحديث ) الضرر الفادح الذي يلحق بالمرأة من جراء معاشرتها وإتيانهاه في حالة الطمث ، فكثيراً ما يختلط المني المقذوف من الرجل بهذه الدماء ، ويتولد عن ذلك إلتهابات في عنق الرحم ، أو في الرحم نفسه ، أو يتعرض الجنين إلى التشوه إن قدّر هناك حمل ، كما أن الرجل يتعرض لبعض الأضرار الجسمية ، ولهذا ينصح الأطباء بالابتعاد عن المرأة في حالة ( العادة الشهرية ) حتى تطهر من طمثها ، وفي ذلك أكبر برهان على حكمة الشريعة الغراء .
(1/132)
وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)
[ 15 ] النهي عن كثرة الحلف
التحليل اللفظي
{ عُرْضَةً } : بضم العين أي مانعاً ، وكل ما يعترض فيمنع عن الشيء فهو ( عُرْضة ) ولهذا يقال للسحاب : عارضٌ ، لأنه يمنع رؤية السماء والشمس ، واعترض فلانٌ فلاناً أي منعه من فعل ما يريد .
والمعنى : لا تجعلوا الحلف بالله سبباً مانعاً لكم من البر والتقوى ، إذا دعي أحدكم لبرٍ أو إصلاح يقول : قد حلفت أن لا أفعله فيتعلّل باليمين .
قال الرازي : المراد النهي عن الجراءة على الله بكثرة الحلف به ، لأن من أكثر من ذكر شيء فقد جعله عُرْضة له ، يقول الرجل : قد جعلتني عُرْضة للومك ، وقال الشاعر :
فلا تجعلني عُرْضة للَّوائم ... قال الجصاص : المعنى لا تعترضوا اسم الله وتبذلوه في كل شيء حقاً كان أو باطلاً ، فالله ينهاكم عن كثرة الأيمان والجرأة على الله تعالى ، وكذلك لا تجعلوا اليمين بالله عرضة مانعة من البر والتقوى والإصلاح .
{ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو } : قال الراغب : اللغو في الكلام ما لا يُعتد به ، وهو الذي يُورد لا عن روية وفكر ، فيجري مجرى ( لّلغاً ) وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور ، وأنشد أبو عبيدة :
عن الّلغا ورفث التكلم ... قال الإمام الفخر : « اللغو ، الساقط الذي لا يعتد به ، سواء كان كلاماً أو غيره ، ولغو الطائر : تصويته ، ويقال لما لا يعتد به من أولاد الإبل : لغو » .
{ يُؤْلُونَ } : أي يحلفون ، والمصدر ( إيلاء ) والاسم منه ( أليّة ) والأليّة ، والقسم واليمين ، والحلف ، كلها عبارات عن معنى واحد ، قال الشاعر :
فآليتُ لا أنفكّ أحْدو قصيدةً ... تكون وإيّاها بها مثلاً بعدي
هذا هو المعنى اللغوي ، وأما في عرف الشرع فهو اليمين على ترك وطء الزوجة .
{ تَرَبُّصُ } : التربص في اللغة الانتظار ومنه قوله تعالى : { قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المتربصين } [ الطور : 31 ] أي انتظروا فأنا من المنتظرين معكم قال الشاعر :
تربّصْ بها ريب المنون لعلّها ... تُطلّقُ يوماً أويموت حليلها
وإضافة التربص إلى الأشهر من إضافة المصدر إلى الظرف .
{ فَآءُو } : أي رجعوا ومنه قوله تعالى : { حتى تفياء إلى أَمْرِ } [ الحجرات : 9 ] أي ترجع ، ومنه قيل للظل بعد الزوال ( فيء ) لأنه رجع بعد أن تقلص .
قال الفراء : العرب تقول : فلان سريع الفيء والفيئة أي سريع الرجوع عن الغضب إلى الحالة المتقدمة . قال الشاعر :
ففاءت ولم تقض الذي أقبلت له ... ومن حاجة الإنسان ما ليس قاضياً
ومعنى الآية : فإن رجعوا عما حلفوا عليه من ترك معاشرة نسائهم فإن الله غفور رحيم لما حدث منهم من اليمين على الظلم .
المعنى الإجمالي
لا تجعلوا - أيها المؤمنون - الحلف بالله حجة لكم في ترك فعل الخير ، فإذا سئل أحدكم عن أمرٍ فيه برٌّ ، وإصلاح ، قال : قد حلفت بالله ألاّ أفعله ، وأريد أن أبرّ بيميني ، فلا تتعللوا باليمين بل افعلوا الخير وكفّروا عن أيمانكم ، ولا تكثروا الحلف فتجعلوا الله هدفاً لأيمانكم تبتذلون اسمه المعظم في أمور دنياكم ، فإن الحلاّف مجترئ على ربه فلا يكون براً ولا تقياً .
التحليل اللفظي
{ عُرْضَةً } : بضم العين أي مانعاً ، وكل ما يعترض فيمنع عن الشيء فهو ( عُرْضة ) ولهذا يقال للسحاب : عارضٌ ، لأنه يمنع رؤية السماء والشمس ، واعترض فلانٌ فلاناً أي منعه من فعل ما يريد .
والمعنى : لا تجعلوا الحلف بالله سبباً مانعاً لكم من البر والتقوى ، إذا دعي أحدكم لبرٍ أو إصلاح يقول : قد حلفت أن لا أفعله فيتعلّل باليمين .
قال الرازي : المراد النهي عن الجراءة على الله بكثرة الحلف به ، لأن من أكثر من ذكر شيء فقد جعله عُرْضة له ، يقول الرجل : قد جعلتني عُرْضة للومك ، وقال الشاعر :
فلا تجعلني عُرْضة للَّوائم ... قال الجصاص : المعنى لا تعترضوا اسم الله وتبذلوه في كل شيء حقاً كان أو باطلاً ، فالله ينهاكم عن كثرة الأيمان والجرأة على الله تعالى ، وكذلك لا تجعلوا اليمين بالله عرضة مانعة من البر والتقوى والإصلاح .
{ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو } : قال الراغب : اللغو في الكلام ما لا يُعتد به ، وهو الذي يُورد لا عن روية وفكر ، فيجري مجرى ( لّلغاً ) وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور ، وأنشد أبو عبيدة :
عن الّلغا ورفث التكلم ... قال الإمام الفخر : « اللغو ، الساقط الذي لا يعتد به ، سواء كان كلاماً أو غيره ، ولغو الطائر : تصويته ، ويقال لما لا يعتد به من أولاد الإبل : لغو » .
{ يُؤْلُونَ } : أي يحلفون ، والمصدر ( إيلاء ) والاسم منه ( أليّة ) والأليّة ، والقسم واليمين ، والحلف ، كلها عبارات عن معنى واحد ، قال الشاعر :
فآليتُ لا أنفكّ أحْدو قصيدةً ... تكون وإيّاها بها مثلاً بعدي
هذا هو المعنى اللغوي ، وأما في عرف الشرع فهو اليمين على ترك وطء الزوجة .
{ تَرَبُّصُ } : التربص في اللغة الانتظار ومنه قوله تعالى : { قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المتربصين } [ الطور : 31 ] أي انتظروا فأنا من المنتظرين معكم قال الشاعر :
تربّصْ بها ريب المنون لعلّها ... تُطلّقُ يوماً أويموت حليلها
وإضافة التربص إلى الأشهر من إضافة المصدر إلى الظرف .
{ فَآءُو } : أي رجعوا ومنه قوله تعالى : { حتى تفياء إلى أَمْرِ } [ الحجرات : 9 ] أي ترجع ، ومنه قيل للظل بعد الزوال ( فيء ) لأنه رجع بعد أن تقلص .
قال الفراء : العرب تقول : فلان سريع الفيء والفيئة أي سريع الرجوع عن الغضب إلى الحالة المتقدمة . قال الشاعر :
ففاءت ولم تقض الذي أقبلت له ... ومن حاجة الإنسان ما ليس قاضياً
ومعنى الآية : فإن رجعوا عما حلفوا عليه من ترك معاشرة نسائهم فإن الله غفور رحيم لما حدث منهم من اليمين على الظلم .
المعنى الإجمالي
لا تجعلوا - أيها المؤمنون - الحلف بالله حجة لكم في ترك فعل الخير ، فإذا سئل أحدكم عن أمرٍ فيه برٌّ ، وإصلاح ، قال : قد حلفت بالله ألاّ أفعله ، وأريد أن أبرّ بيميني ، فلا تتعللوا باليمين بل افعلوا الخير وكفّروا عن أيمانكم ، ولا تكثروا الحلف فتجعلوا الله هدفاً لأيمانكم تبتذلون اسمه المعظم في أمور دنياكم ، فإن الحلاّف مجترئ على ربه فلا يكون براً ولا تقياً .
(1/133)
لا يؤاخذكم الله بما يجري على ألسنتكم من ذكر اسم الله من غير قصد الحلف ، ولكن يؤاخذكم بما قصدتم إليه وعقدتم القلب عليه من الأيمان ، والله واسع المغفرة ، حليم لا يعاجل عباده بالعقوبة .
للذين يحلفون منكم على اعتزال نسائهم ، ويقسمون على ألاّ يقربوهن للإضرار بهن ، على نسوة هؤلاء الحالفين انتظار مدة أقصاها أربعة أشهر ، فإن رجعوا إلى عشرة أزواجهن بالمعروف كما أمر الله ، فالله يغفر لهم ما صدر منهم من إساءة ، وإن صمّموا على الإيلاء من الأزواج ، فقد وقعت الفرقة والطلاق بمقضي تلك المدة ، والله سميع لأقوالكم ، عليم بنواياكم وأعمالكم .
سبب النزول
روي أنها نزلت في ( عبد الله بن رواحة ) كان بينه وبين ختنه ( بشير بن النعمان ) شيء فحلف عبد الله لا يدخل عليه ، ولا يكلمه ، ولا يصلح بينه وبين خصم له ، فكان إذا قيل له فيه يقول : قد حلفت بالله أن لا أفعل ، فلا يحل لي أن لا أبر بيميني ، فأنزل الله { وَلاَ تَجْعَلُواْ الله عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ } .
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : ذمّ الله تعالى من أكثر الحلف بقوله : { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } [ القلم : 10 ] وكان العرب يمدحون الإنسان بالإقلال من الحلف كما قال كثير :
قليلُ الألايا حافظٌ ليمينه ... وإن سبقتْ منه الأليّةُ برّت
قال الإمام الفخر : « والحكمة في الأمر بتقليل الإيمان ، أنّ من حلف في كل قليل وكثير بالله ، انطلق لسانه بذلك ولا يبقى لليمين في قلبه وقع ، فلا يُؤمنُ إقدامه على اليمين الكاذبة ، ومن كمال التعظيم لله أن يكون ذكر الله أجل وأعلى عنده من أن يستشهد به في غرض من الأغراض الدنيوية » .
اللطيفة الثانية : ذكر الله العلة في هذا النهي بقوله : { أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ } أي إرادة أن تبروا وتتقوا ، فإن قيل : كيف يلزم من ترك الحلف حصول البر والتقوى؟
فالجواب : أن من ترك الحلف لاعتقاده أن الله تعالى أجل وأعظم من أن يستشهد باسمه العظيم في مطالب الدنيا ، والخسائس من أمور الحياة ، فلا شك أن هذا من أعظم أبواب البر والتقوى .
اللطيفة الثالثة : قال الإمام الجصاص : « قد ذكر الله تعالى اللغو في مواضع من كتابه العزيز ، فكان المراد به معاني مختلفة على حسب الأحوال التي خرج عليها الكلام فقال تعالى : { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } [ الغاشية : 11 ] يعني كلمة فاحشة قبيحة وقال : { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً } [ الواقعة : 25 ] على هذا المعنى ، وقال : { وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو أَعْرَضُواْ عَنْهُ } [ القصص : 55 ] يعني الكفر والكلام القبيح ، وقال { والغوا فِيهِ } [ فصلت : 26 ] يعني الكلام الذي لا يفيد شيئاً ، وقال : { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } [ الفرقان : 72 ] يعني الباطل ، ويقال : لغا في كلامه يلغو إذا أتى بكلام لا فائدة فيه » .
للذين يحلفون منكم على اعتزال نسائهم ، ويقسمون على ألاّ يقربوهن للإضرار بهن ، على نسوة هؤلاء الحالفين انتظار مدة أقصاها أربعة أشهر ، فإن رجعوا إلى عشرة أزواجهن بالمعروف كما أمر الله ، فالله يغفر لهم ما صدر منهم من إساءة ، وإن صمّموا على الإيلاء من الأزواج ، فقد وقعت الفرقة والطلاق بمقضي تلك المدة ، والله سميع لأقوالكم ، عليم بنواياكم وأعمالكم .
سبب النزول
روي أنها نزلت في ( عبد الله بن رواحة ) كان بينه وبين ختنه ( بشير بن النعمان ) شيء فحلف عبد الله لا يدخل عليه ، ولا يكلمه ، ولا يصلح بينه وبين خصم له ، فكان إذا قيل له فيه يقول : قد حلفت بالله أن لا أفعل ، فلا يحل لي أن لا أبر بيميني ، فأنزل الله { وَلاَ تَجْعَلُواْ الله عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ } .
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : ذمّ الله تعالى من أكثر الحلف بقوله : { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } [ القلم : 10 ] وكان العرب يمدحون الإنسان بالإقلال من الحلف كما قال كثير :
قليلُ الألايا حافظٌ ليمينه ... وإن سبقتْ منه الأليّةُ برّت
قال الإمام الفخر : « والحكمة في الأمر بتقليل الإيمان ، أنّ من حلف في كل قليل وكثير بالله ، انطلق لسانه بذلك ولا يبقى لليمين في قلبه وقع ، فلا يُؤمنُ إقدامه على اليمين الكاذبة ، ومن كمال التعظيم لله أن يكون ذكر الله أجل وأعلى عنده من أن يستشهد به في غرض من الأغراض الدنيوية » .
اللطيفة الثانية : ذكر الله العلة في هذا النهي بقوله : { أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ } أي إرادة أن تبروا وتتقوا ، فإن قيل : كيف يلزم من ترك الحلف حصول البر والتقوى؟
فالجواب : أن من ترك الحلف لاعتقاده أن الله تعالى أجل وأعظم من أن يستشهد باسمه العظيم في مطالب الدنيا ، والخسائس من أمور الحياة ، فلا شك أن هذا من أعظم أبواب البر والتقوى .
اللطيفة الثالثة : قال الإمام الجصاص : « قد ذكر الله تعالى اللغو في مواضع من كتابه العزيز ، فكان المراد به معاني مختلفة على حسب الأحوال التي خرج عليها الكلام فقال تعالى : { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } [ الغاشية : 11 ] يعني كلمة فاحشة قبيحة وقال : { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً } [ الواقعة : 25 ] على هذا المعنى ، وقال : { وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو أَعْرَضُواْ عَنْهُ } [ القصص : 55 ] يعني الكفر والكلام القبيح ، وقال { والغوا فِيهِ } [ فصلت : 26 ] يعني الكلام الذي لا يفيد شيئاً ، وقال : { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } [ الفرقان : 72 ] يعني الباطل ، ويقال : لغا في كلامه يلغو إذا أتى بكلام لا فائدة فيه » .
(1/134)
اللطيفة الرابعة : الحكمة في تحديد مدة الإيلاء بأربعة أشهر ، هي أن التأديب بالهجر ينبغي ألا يتجاوز هذه المدة ، فالمرأة ينفد صبرها عن غياب بعلها هذه المدة ، ولا تستطيع أن تصبر أكثر منها .
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يطوف ليلة بالمدينة فسمع امرأة تنشد هذه الأبيات :
تطاول هذه الليلُ واسودّ جانبُه ... وأرّقني ألاّ حبيب ألاعبُه
فوا اللهِ لولا الله لا شيء غيرهُ ... لزُعْزع من هذا السرير جوانبُه
مخافة ربي والحياءُ يكفّّني ... وإكرام بعلي أن تُنال مراكبُه
فلما كان من الغد سأل عن المرأة أين زوجها؟ فقالوا يا أمير المؤمنين : بعثت به إلى العراق ، فاستدعى نساءً فسألهن عن المرأة كم تصبر عن زوجها؟ فقلن شهراً ، وشهرين ، ويقلّ صبرها في ثلاثة أشهر ، وينفد صبرها في أربعة أشهر ، فجعل عمر مدة غزو الرجل أربعة أشهر ، فإذا مضت المدة استردّ الغازين ووجّه بقومٍ آخرين .
قال القرطبي : « هذا يقوّي اختصاص مدة الإيلاء بأربعة أشهر والله أعلم » .
اللطيفة الخامسة : روي أن الإيلاء في الجاهلية كان طلاقاً ، قال سعيد بن المسيب : « كان الرجل لا يريد المرأة ، ولا يحب أن يتزوجها غيره ، فيحلف ألا يقربها فكان يتركها لا أيّما ولا ذات بعل ، والغرض منه مضارة المرأة ، فأزال الله تعالى ذلك الظلم ، وأمهل الزوج مدة حتى يتروّى ويتأمل ، فإن رأى المصلحة في ترك هذه المضارة فعلها ، وإن رأى المصلحة في المفارقة عن المرأة فارقها » .
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : ما المراد باليمين اللغو ، وهل فيه كفارة؟
دل قوله تعالى : { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو في أَيْمَانِكُمْ } على أن اليمين اللغو لا إثم فيه ولا كفارة ، وقد اختلف الفقهاء في تعريف هذه اليمين على أقوال :
أ - قال الشافعي وأحمد : اللغو في اليمين هو : ما يجري على اللسان من غير قصد الحلف ، كقول الرجل في كلامه : لا والله ، وبلى والله دون قصد لليمين ، وهذا التأويل منقول عن بعض السلف كعائشة ، والشعبي ، وعكرمة .
ب - وقال أبو حنيفة ومالك : اللغو في اليمين هو : أن يحلف على شيء يظنه كما يعتقد فيكون بخلافه ، وهذا التأويل منقول عن ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد .
قال مالك رحمه الله في « الموطأ » : « أحسنُ ما سمعت في هذه أنّ اللغو حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كذلك ثم يوجد الأمر بخلافه فلا كفارة فيه » .
وفي البخاري : عن عائشة رضي الله عنها قالت : « نزل قوله تعالى : { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو في أَيْمَانِكُمْ } في قول الرجل : لا والله ، وبلى والله » .
والصحيح أن اللغو : يشمل النوعين وهو اختيار ابن جرير الطبري فقد قال رحمه الله : « واللغو في كلام العرب : كلّ كلام كان مذموماً ، وفعلٍ لا معنى له مهجوراً ، فإذا كان اللغو ما وصفتُ ، وكان الحالف بالله ما فعلت كذا وقد فعل ، ولقد فعلت كذا وما فعل ، على سبيل سبق لسانه ، والقائل : والله إن هذا لفلان وهو يراه كما قال ، أو والله ما هذا فلان وهو يراه ليس به ، والقائل : لا يفعل كذا والله على سبيل ما وصفنا من عجلة الكلام ، وسبوق اللسان ، على غير تعمد حلفٍ على باطل ، جميعهم حالفون من الأيمان بألسنتهم ما لم تتعمد فيه الإثم قلوبُهم ، كان معلوماً أنهم لغاةٌ في أيمانهم لا تلزمهم كفارة » .
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يطوف ليلة بالمدينة فسمع امرأة تنشد هذه الأبيات :
تطاول هذه الليلُ واسودّ جانبُه ... وأرّقني ألاّ حبيب ألاعبُه
فوا اللهِ لولا الله لا شيء غيرهُ ... لزُعْزع من هذا السرير جوانبُه
مخافة ربي والحياءُ يكفّّني ... وإكرام بعلي أن تُنال مراكبُه
فلما كان من الغد سأل عن المرأة أين زوجها؟ فقالوا يا أمير المؤمنين : بعثت به إلى العراق ، فاستدعى نساءً فسألهن عن المرأة كم تصبر عن زوجها؟ فقلن شهراً ، وشهرين ، ويقلّ صبرها في ثلاثة أشهر ، وينفد صبرها في أربعة أشهر ، فجعل عمر مدة غزو الرجل أربعة أشهر ، فإذا مضت المدة استردّ الغازين ووجّه بقومٍ آخرين .
قال القرطبي : « هذا يقوّي اختصاص مدة الإيلاء بأربعة أشهر والله أعلم » .
اللطيفة الخامسة : روي أن الإيلاء في الجاهلية كان طلاقاً ، قال سعيد بن المسيب : « كان الرجل لا يريد المرأة ، ولا يحب أن يتزوجها غيره ، فيحلف ألا يقربها فكان يتركها لا أيّما ولا ذات بعل ، والغرض منه مضارة المرأة ، فأزال الله تعالى ذلك الظلم ، وأمهل الزوج مدة حتى يتروّى ويتأمل ، فإن رأى المصلحة في ترك هذه المضارة فعلها ، وإن رأى المصلحة في المفارقة عن المرأة فارقها » .
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : ما المراد باليمين اللغو ، وهل فيه كفارة؟
دل قوله تعالى : { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو في أَيْمَانِكُمْ } على أن اليمين اللغو لا إثم فيه ولا كفارة ، وقد اختلف الفقهاء في تعريف هذه اليمين على أقوال :
أ - قال الشافعي وأحمد : اللغو في اليمين هو : ما يجري على اللسان من غير قصد الحلف ، كقول الرجل في كلامه : لا والله ، وبلى والله دون قصد لليمين ، وهذا التأويل منقول عن بعض السلف كعائشة ، والشعبي ، وعكرمة .
ب - وقال أبو حنيفة ومالك : اللغو في اليمين هو : أن يحلف على شيء يظنه كما يعتقد فيكون بخلافه ، وهذا التأويل منقول عن ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد .
قال مالك رحمه الله في « الموطأ » : « أحسنُ ما سمعت في هذه أنّ اللغو حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كذلك ثم يوجد الأمر بخلافه فلا كفارة فيه » .
وفي البخاري : عن عائشة رضي الله عنها قالت : « نزل قوله تعالى : { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو في أَيْمَانِكُمْ } في قول الرجل : لا والله ، وبلى والله » .
والصحيح أن اللغو : يشمل النوعين وهو اختيار ابن جرير الطبري فقد قال رحمه الله : « واللغو في كلام العرب : كلّ كلام كان مذموماً ، وفعلٍ لا معنى له مهجوراً ، فإذا كان اللغو ما وصفتُ ، وكان الحالف بالله ما فعلت كذا وقد فعل ، ولقد فعلت كذا وما فعل ، على سبيل سبق لسانه ، والقائل : والله إن هذا لفلان وهو يراه كما قال ، أو والله ما هذا فلان وهو يراه ليس به ، والقائل : لا يفعل كذا والله على سبيل ما وصفنا من عجلة الكلام ، وسبوق اللسان ، على غير تعمد حلفٍ على باطل ، جميعهم حالفون من الأيمان بألسنتهم ما لم تتعمد فيه الإثم قلوبُهم ، كان معلوماً أنهم لغاةٌ في أيمانهم لا تلزمهم كفارة » .
(1/135)
الحكم الثاني : ما هو الإيلاء ، وما هو حكمه؟
تقدم معنا تعريف الإيلاء لغة ، وأمّا شرعاً : فهو أن يحلف الرجل على ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر ، كأن يقول : والله لا أقربك ، أو لا أجامعك ، أو أمثال هذه الكلمات .
قال ابن عباس : « كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك ، يقصدون بذلك إيذاء المرأة عند المساءة ، فوقّت الله لهم أربعة أشهر ، فمن آلى بأقل من ذلك فليس بإيلاء حكمي » .
واتفق العلماء على أنه لو هجرها مدة تزيد على أربعة أشهر لا يكون مؤلياً حتى يحلف لقوله تعالى : { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ } أي يحلفون ، وهجرانها ليس بيمين فلا يتعلق به وجوب الكفارة ، ولا تطلق منه زوجته بالهجر .
واختلفوا في المدة التي تَبِيْنُ فيها المرأة من زوجها ، فقال ابن عباس : إذا مضت أربعة أشهر قبل أن يفئ بانت بتطليقة ، وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله .
وقال مالك والشافعي وأحمد : لا تطلق بمضي المدة وإنما يؤمر الزوج بالفيئة ( الرجوع عن يمينه ) أو بالطلاق ، فإذا امتنع الزوج منهما طلقها الحاكم عليه .
حجة أبي حنيفة : أن الله تعالى حدّد المدة للفيء بأربعة أشهر ، فإذا لم يرجع عن يمينه في هذه المدة فكأنه أراد طلاقها وعز عليها ، والعزيمة في الحقيقة إنما هي عقد القلب على الشيء تقول : عزمت على كذا أي عقدت قلبي على فعله فهذا هو المراد من قوله تعالى : { وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق } أي عقدوا عليه قلوبهم ، ولم تشترط الآية أن يطلق بالفعل .
حجة الجمهور : أن قوله تعالى : { وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق } صريح في أنّ وقوع الطلاق إنما يكون بإيقاع الزوج ، فلا يكفي المدة بل لا بدّ بعدها من الفيء أو الطلاق .
قال الشوكاني في تفسيره « فتح لقدير » : « واعلم أن أهل كل مذهب قد فسّروا هذه الآية بما يطابق مذهبهم ، وتكلفوا بما لم يدّل عليه اللفظ ، ومعناها ظاهر واضح ، وهو أن الله جعل الأجل لمن يؤلي : أي يحلف من امرأته أربعة أشهر ، ثم قال مخبراً عباده بحكم هذا ( المؤلي ) بعد هذه المدة ( فإن فاءوا ) أي رجعوا إلى بقاء الزوجية واستدامة النكاح { فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي لا يؤخذهم بتلك اليمين بل يغفر لهم ويرحمهم { وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق } أي وقع العزم منهم عليه والقصد له { فَإِنَّ الله سَمِيعٌ } لذلك منهم { عَلِيمٌ } به ، فهذا معنى الآية الذي لا شك فيه ولا شبهة » .
تقدم معنا تعريف الإيلاء لغة ، وأمّا شرعاً : فهو أن يحلف الرجل على ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر ، كأن يقول : والله لا أقربك ، أو لا أجامعك ، أو أمثال هذه الكلمات .
قال ابن عباس : « كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك ، يقصدون بذلك إيذاء المرأة عند المساءة ، فوقّت الله لهم أربعة أشهر ، فمن آلى بأقل من ذلك فليس بإيلاء حكمي » .
واتفق العلماء على أنه لو هجرها مدة تزيد على أربعة أشهر لا يكون مؤلياً حتى يحلف لقوله تعالى : { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ } أي يحلفون ، وهجرانها ليس بيمين فلا يتعلق به وجوب الكفارة ، ولا تطلق منه زوجته بالهجر .
واختلفوا في المدة التي تَبِيْنُ فيها المرأة من زوجها ، فقال ابن عباس : إذا مضت أربعة أشهر قبل أن يفئ بانت بتطليقة ، وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله .
وقال مالك والشافعي وأحمد : لا تطلق بمضي المدة وإنما يؤمر الزوج بالفيئة ( الرجوع عن يمينه ) أو بالطلاق ، فإذا امتنع الزوج منهما طلقها الحاكم عليه .
حجة أبي حنيفة : أن الله تعالى حدّد المدة للفيء بأربعة أشهر ، فإذا لم يرجع عن يمينه في هذه المدة فكأنه أراد طلاقها وعز عليها ، والعزيمة في الحقيقة إنما هي عقد القلب على الشيء تقول : عزمت على كذا أي عقدت قلبي على فعله فهذا هو المراد من قوله تعالى : { وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق } أي عقدوا عليه قلوبهم ، ولم تشترط الآية أن يطلق بالفعل .
حجة الجمهور : أن قوله تعالى : { وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق } صريح في أنّ وقوع الطلاق إنما يكون بإيقاع الزوج ، فلا يكفي المدة بل لا بدّ بعدها من الفيء أو الطلاق .
قال الشوكاني في تفسيره « فتح لقدير » : « واعلم أن أهل كل مذهب قد فسّروا هذه الآية بما يطابق مذهبهم ، وتكلفوا بما لم يدّل عليه اللفظ ، ومعناها ظاهر واضح ، وهو أن الله جعل الأجل لمن يؤلي : أي يحلف من امرأته أربعة أشهر ، ثم قال مخبراً عباده بحكم هذا ( المؤلي ) بعد هذه المدة ( فإن فاءوا ) أي رجعوا إلى بقاء الزوجية واستدامة النكاح { فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي لا يؤخذهم بتلك اليمين بل يغفر لهم ويرحمهم { وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق } أي وقع العزم منهم عليه والقصد له { فَإِنَّ الله سَمِيعٌ } لذلك منهم { عَلِيمٌ } به ، فهذا معنى الآية الذي لا شك فيه ولا شبهة » .
(1/136)
الحكم الثالث : هل يشترط في اليمين أن تكون للإضرار؟
قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد : يصح الإيلاء في حال الرضا والغضب .
وقال مالك : لا يكون إيلاءً إلا إذا حلف عليها في حال غضب على وجه الإضرار .
حجة مالك : ما روي عن ( علي كرّم الله وجهه ) أنه سئل عن رجلٍ حلف ألاّ يطأ امرأته حتى تفطم ولدها ، ولم يرد الإضرار بها وإنما قصد مصلحة الولد فقال له : إنما أردتَ الخير ، وإنما الإيلاء في الغضب .
وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لا إيلاء إلاّ بغضب .
حجة الجمهور : أن الآية عامة { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ } فهي تشمل من حلف بقصد الإضرار ، أو حلف بقصد المصلحة لولده ، فالكل يشمله لفظ ( الإيلاء ) .
قال الشعبي : كل يمين مَنعتْ جِماعاً حتى تمضي أربعة أشهر فهي إيلاء .
وقد رجّح ابن جرير الطبري الرأي الأول ( رأي الجمهور ) فقال : « والصواب قول من قال : » كل يمين مَنعتْ الجماع أكثر من المدة التي جعل للمؤلي التربص بها قائلاً في غضب كان ذلك أو رضى فهو إيلاء « .
الحكم الرابع : ما المراد بالفيء في الآية الكريمة؟
اختلف الفقهاء في الفيء الذي عناه الله تعالى بقوله : { فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .
فقال بعضهم : المراد بالفيء الجماع لا فيء غيره ، فإذا لم يغشها وانقضت المدة بانت منه ، وهو قول ( سعيد بن جبير ) و ( الشعبي ) .
وقال آخرون : الفيء : الجماع لمن لا عذر له ، فإن كان مريضاً أو مسافراً أو مسجوناً فيكفي المراجعة باللسان أو القلب ، وهذا مذهب جمهور العلماء .
وقال آخرون : الفيء : المراجعة باللسان على كل حال فيكفي أن يقول : قد فئت إليها وهو قول النخعي .
وأعدل الأقوال القول الثاني : وهو قول جمهور الفقهاء والله أعلم .
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
1 - عدم جواز الحلف على المنع من فعل البر والخير .
2 - من حلف على يمين ورأى الخير في خلافها فليفعل الخير وليكفّر .
3 - اليمين اللغو التي لا يقصد بها اليمين لا مؤاخذة عليها ولا كفارة فيها .
4 - الإيلاء من الزوجة بقصد الإضرار يتنافى مع وجوب المعاشرة بالمعروف .
5 - إذا لم يرجع الزوج عن يمينه في مدة أربعة شهور تطلق عليه زوجته .
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
أمرت الشريعة الغرّاء بالإحسان إلى الزوجة ومعاشرتها بالمعروف ، وحرّمت إيذاءها والإضرار بها بشتى الصور والأشكال { وَعَاشِرُوهُنَّ بالمعروف فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فعسى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } [ النساء : 19 ] .
ولمّا كان الإيلاء من الزوجة ، وهجرها في المضاجع مدة طويلة من الزمن ، لا يقصد منه إلا الإساءة إلى الزوجة والإضرار بها ، بحيث تصبح المرأة معلقة ، ليست بذات زوج ولا مطلّقة ، وكان هذا مما يتنافى مع وجوب المعاشرة بالمعروف ولا يتفق مع تعاليم الإسلام الرشيدة ، لذلك فقد أمر الباري جل وعلا بإمهال هذا الزوج مدة من الزمن أقصاها أربعة شهور ، فإن عاد إلى رشده فكفر عن يمينه ، وأحسن معاملة زوجته فعاشرها بالمعروف ، ودفع عنها الإساءة والظلم فهي زوجته ، وإلاّ فقد طلقت منه بذلك الإصرار ، وهذا من محاسن الشريعة الغراء ، حيث دفعت عن كاهل المرأة الظلم ودعت إلى البر بها والإحسان ، وجعلتها شريكة الرجل في الحياة السعيدة الكريمة .
قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد : يصح الإيلاء في حال الرضا والغضب .
وقال مالك : لا يكون إيلاءً إلا إذا حلف عليها في حال غضب على وجه الإضرار .
حجة مالك : ما روي عن ( علي كرّم الله وجهه ) أنه سئل عن رجلٍ حلف ألاّ يطأ امرأته حتى تفطم ولدها ، ولم يرد الإضرار بها وإنما قصد مصلحة الولد فقال له : إنما أردتَ الخير ، وإنما الإيلاء في الغضب .
وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لا إيلاء إلاّ بغضب .
حجة الجمهور : أن الآية عامة { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ } فهي تشمل من حلف بقصد الإضرار ، أو حلف بقصد المصلحة لولده ، فالكل يشمله لفظ ( الإيلاء ) .
قال الشعبي : كل يمين مَنعتْ جِماعاً حتى تمضي أربعة أشهر فهي إيلاء .
وقد رجّح ابن جرير الطبري الرأي الأول ( رأي الجمهور ) فقال : « والصواب قول من قال : » كل يمين مَنعتْ الجماع أكثر من المدة التي جعل للمؤلي التربص بها قائلاً في غضب كان ذلك أو رضى فهو إيلاء « .
الحكم الرابع : ما المراد بالفيء في الآية الكريمة؟
اختلف الفقهاء في الفيء الذي عناه الله تعالى بقوله : { فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .
فقال بعضهم : المراد بالفيء الجماع لا فيء غيره ، فإذا لم يغشها وانقضت المدة بانت منه ، وهو قول ( سعيد بن جبير ) و ( الشعبي ) .
وقال آخرون : الفيء : الجماع لمن لا عذر له ، فإن كان مريضاً أو مسافراً أو مسجوناً فيكفي المراجعة باللسان أو القلب ، وهذا مذهب جمهور العلماء .
وقال آخرون : الفيء : المراجعة باللسان على كل حال فيكفي أن يقول : قد فئت إليها وهو قول النخعي .
وأعدل الأقوال القول الثاني : وهو قول جمهور الفقهاء والله أعلم .
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
1 - عدم جواز الحلف على المنع من فعل البر والخير .
2 - من حلف على يمين ورأى الخير في خلافها فليفعل الخير وليكفّر .
3 - اليمين اللغو التي لا يقصد بها اليمين لا مؤاخذة عليها ولا كفارة فيها .
4 - الإيلاء من الزوجة بقصد الإضرار يتنافى مع وجوب المعاشرة بالمعروف .
5 - إذا لم يرجع الزوج عن يمينه في مدة أربعة شهور تطلق عليه زوجته .
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
أمرت الشريعة الغرّاء بالإحسان إلى الزوجة ومعاشرتها بالمعروف ، وحرّمت إيذاءها والإضرار بها بشتى الصور والأشكال { وَعَاشِرُوهُنَّ بالمعروف فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فعسى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } [ النساء : 19 ] .
ولمّا كان الإيلاء من الزوجة ، وهجرها في المضاجع مدة طويلة من الزمن ، لا يقصد منه إلا الإساءة إلى الزوجة والإضرار بها ، بحيث تصبح المرأة معلقة ، ليست بذات زوج ولا مطلّقة ، وكان هذا مما يتنافى مع وجوب المعاشرة بالمعروف ولا يتفق مع تعاليم الإسلام الرشيدة ، لذلك فقد أمر الباري جل وعلا بإمهال هذا الزوج مدة من الزمن أقصاها أربعة شهور ، فإن عاد إلى رشده فكفر عن يمينه ، وأحسن معاملة زوجته فعاشرها بالمعروف ، ودفع عنها الإساءة والظلم فهي زوجته ، وإلاّ فقد طلقت منه بذلك الإصرار ، وهذا من محاسن الشريعة الغراء ، حيث دفعت عن كاهل المرأة الظلم ودعت إلى البر بها والإحسان ، وجعلتها شريكة الرجل في الحياة السعيدة الكريمة .
(1/137)
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)
[ 16 ] مشروعية الطلاق في الإسلام
التحليل اللفظي
{ قرواء } : جمع قُرء بالفتح والضم ، ويطلق في كلام العرب على ( الحيض ) وعلى ( الطهر ) فهو من الأضداد .
قال في « القاموس » : « والقَرْءُ بالفتح ويُضم : الحيض ، والطهر والوقت ، وأقرأت حاضت وطهرت ، وجمع الطهر : قروء ، وجمع الحيض : أقراء » .
وأصل القرء : الاجتماع وسمي الحيض قرءاً لاجتماع الدم في الرحم .
قال الأخفش : « أقرأت المرأة إذا صارت صاحبة حيض ، فإذا حاضت قلت : قرأت » ومن مجيء القرء بمعنى ( الحيض ) قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش : « دعي الصلاة أيام أقرائك » أي أيام حيضك ، وقول الشاعر :
له قروء كقروء الحائض ... ومن مجيئه بمعنى ( الطهر ) قول الأعشى :
مورثة عزّاً وفي الحيّ رفعةً ... لما ضاع فيها من قروء نسائكا
{ وَبُعُولَتُهُنَّ } : أي أزواجهن جمع بعل الزوج قال تعالى : { وهذا بَعْلِي شَيْخاً } [ هود : 72 ] والمرأة بعلة ويقال لها : بعل أيضاً أفاده صاحب « القاموس » . وأصل البعل : السيّد المالك ، يقال : من بعد هذه الناقة؟ أي من ربها؟ ومن سيّدها؟
والمعنى : أزواج المطلقات أحق برجعتهن في مدة التربص بالعدة .
{ دَرَجَةٌ } : الدرجة في اللغة المنزلة الرفيعة قال تعالى : { هُمْ درجات عِندَ الله } [ آل عمران : 163 ] وسميت درجة تشبيها لها بالدرج الذي يرتقى به إلى السطح ، ويقال لقارعة الطريق مدرجة لأنها تطوي منزلاً بعد منزل ، وأصل ( درج ) بمعنى طوى يقال : درج القوم أي طَووا عمرهم وفنوا وفي الأمثال ( هو أكذب من دبّ ودرج ) أي أكذب الأحياء والأموات .
{ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } : أي منيع السلطان غالبٌ لا يٌغلَب ، حكيم في أحكامه وأفعاله .
{ الطلاق } : الطلاق حلّ عقدة النكاح ، وأصله الانطلاق والتخلية ، يقال : ناقة طالق أي مهملة قد تركت في المرعى بلا قيد ولا راعي ، فسميت المرأة المخلّى سبيلها طالقاً لهذا المعنى .
قال الراغب : أصل الطلاق التخليةُ من الوثاق يقال : أطلقتُ البعير من عقاله وطلّقته إذا تركته بلا قيد ، ومنه استعير : طلّقتُ المرأة نحو خلّيتها فهي طالق أي مخلاّة عن حِبالَة النكاح ، وطلّقه المريض أي خلاه قال الشاعر :
تطلّقه طوراً وطوراً تراجع ... { تَسْرِيحٌ } : التسريح : إرسال الشيء ، ومنه تسريح الشعر ليخلص البعض من البعض ، وسرّح الماشية : أرسلها لترعى السرح وهو شجر له ثمر ، ثم جعل لكل إرسالٍ في الرعي .
قال الراغب : « والتسريح في الطلاق مستعار من تسريح الإبل ، كالطلاق في كونه مستعاراً من إطلاق الإبل » .
{ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } : أي قاربن إنهاء العدة ، لأنه بعد انقضاء العدة لا سلطان للرجل عليها ، والعرب تقول : بلغ البلد إذا شارف الوصول إليها .
قال الشوكاني : « البلوغ إلى الشيء : معناه الحقيقي الوصول إليه ، ولا يستعمل البلوغ بمعنى المقاربة إلاّ مجازاً لعلاقة مع القرينة كما هنا ، لأن المرأة إذا خرجت من العدة لم يبق للزوج عليها سبيل » .
التحليل اللفظي
{ قرواء } : جمع قُرء بالفتح والضم ، ويطلق في كلام العرب على ( الحيض ) وعلى ( الطهر ) فهو من الأضداد .
قال في « القاموس » : « والقَرْءُ بالفتح ويُضم : الحيض ، والطهر والوقت ، وأقرأت حاضت وطهرت ، وجمع الطهر : قروء ، وجمع الحيض : أقراء » .
وأصل القرء : الاجتماع وسمي الحيض قرءاً لاجتماع الدم في الرحم .
قال الأخفش : « أقرأت المرأة إذا صارت صاحبة حيض ، فإذا حاضت قلت : قرأت » ومن مجيء القرء بمعنى ( الحيض ) قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش : « دعي الصلاة أيام أقرائك » أي أيام حيضك ، وقول الشاعر :
له قروء كقروء الحائض ... ومن مجيئه بمعنى ( الطهر ) قول الأعشى :
مورثة عزّاً وفي الحيّ رفعةً ... لما ضاع فيها من قروء نسائكا
{ وَبُعُولَتُهُنَّ } : أي أزواجهن جمع بعل الزوج قال تعالى : { وهذا بَعْلِي شَيْخاً } [ هود : 72 ] والمرأة بعلة ويقال لها : بعل أيضاً أفاده صاحب « القاموس » . وأصل البعل : السيّد المالك ، يقال : من بعد هذه الناقة؟ أي من ربها؟ ومن سيّدها؟
والمعنى : أزواج المطلقات أحق برجعتهن في مدة التربص بالعدة .
{ دَرَجَةٌ } : الدرجة في اللغة المنزلة الرفيعة قال تعالى : { هُمْ درجات عِندَ الله } [ آل عمران : 163 ] وسميت درجة تشبيها لها بالدرج الذي يرتقى به إلى السطح ، ويقال لقارعة الطريق مدرجة لأنها تطوي منزلاً بعد منزل ، وأصل ( درج ) بمعنى طوى يقال : درج القوم أي طَووا عمرهم وفنوا وفي الأمثال ( هو أكذب من دبّ ودرج ) أي أكذب الأحياء والأموات .
{ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } : أي منيع السلطان غالبٌ لا يٌغلَب ، حكيم في أحكامه وأفعاله .
{ الطلاق } : الطلاق حلّ عقدة النكاح ، وأصله الانطلاق والتخلية ، يقال : ناقة طالق أي مهملة قد تركت في المرعى بلا قيد ولا راعي ، فسميت المرأة المخلّى سبيلها طالقاً لهذا المعنى .
قال الراغب : أصل الطلاق التخليةُ من الوثاق يقال : أطلقتُ البعير من عقاله وطلّقته إذا تركته بلا قيد ، ومنه استعير : طلّقتُ المرأة نحو خلّيتها فهي طالق أي مخلاّة عن حِبالَة النكاح ، وطلّقه المريض أي خلاه قال الشاعر :
تطلّقه طوراً وطوراً تراجع ... { تَسْرِيحٌ } : التسريح : إرسال الشيء ، ومنه تسريح الشعر ليخلص البعض من البعض ، وسرّح الماشية : أرسلها لترعى السرح وهو شجر له ثمر ، ثم جعل لكل إرسالٍ في الرعي .
قال الراغب : « والتسريح في الطلاق مستعار من تسريح الإبل ، كالطلاق في كونه مستعاراً من إطلاق الإبل » .
{ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } : أي قاربن إنهاء العدة ، لأنه بعد انقضاء العدة لا سلطان للرجل عليها ، والعرب تقول : بلغ البلد إذا شارف الوصول إليها .
قال الشوكاني : « البلوغ إلى الشيء : معناه الحقيقي الوصول إليه ، ولا يستعمل البلوغ بمعنى المقاربة إلاّ مجازاً لعلاقة مع القرينة كما هنا ، لأن المرأة إذا خرجت من العدة لم يبق للزوج عليها سبيل » .
(1/138)
{ ضِرَاراً } : أي بقصد الإضرار ، قال القفال : الضّرار هو المضارّة قال تعالى : { والذين اتخذوا مَسْجِداً ضِرَاراً } [ التوبة : 107 ] أي ليضارّوا المؤمنين ومعنى المضارة الرجوع إلى إثارة العداوة ، وإزالة الألفة .
{ تَعْضُلُوهُنَّ } : العضل : المنع والتضييق ، يقال : أعضل الأمر : إذا ضاقت عليك فيه الحيل ، وداء عُضال أي شديد عسير البرء أعيا الأطباء ، وكل مشكلٍ عند العرب فهو معضل ، ومنه قول الشافعي رضي الله عنه :
إذا المعضلاتُ تصدَّيْنني ... كشفت حقائقها بالنظر
قال الأزهري : « أصل العضل من قولهم : عضلت الناقة إذا نشب ولدها فلم يسهل خروجه ، وعضلت الدجاجة إذا نشب بيضها فلم يخرج » .
والمعنى : فلا تمنعوهن من الزواج بمن أردن من الأزواج بعد انقضاء عدتهن .
{ زكى لَكُمْ } : أي أنمى وأنفع يقال : زكا الزرع إذا نما بكثرة وبركة .
{ وَأَطْهَرُ } : من الطهارة وهي التنزه عن الدنس وعن الذنوب والمعاصي .
المعنى الإجمالي
يقول الله تعالى ما معناه : الأزواج المطلقات اللواتي طلقهن أزواجهن لسبب من الأسباب على هؤلاء انتظار مدة من الزمن هي مدة ( ثلاثة أطهار ) أو ( ثلاث حيَض ) لمعرفة براءة الرحم حتى لا تختلط الأنساب ، وأزواجهن أحق بهنّ في الرجعة من الأجانب إذا لم تنقض عدتهن ، وكان الغرض من هذه الرجعة ( الإصلاح ) لا ( الإضرار ) ولهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن ، مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أمر الله عز وجل ، وللرجال عليهن درجة القوامة ، والإنفاق والإمرة والطاعة .
ثم بين تعالى أن الطلاق الذي تجوز به الرجعة مرتان ، فإن طلقها الثالثة فلا تحل له حتى تتزوج بعده بزوج آخر ، أما إذا لم يكن الطلاق ثلاثاً فله أن يراجعها إلى عصمة نكاحة ، فإما أن يمسكها بالمعروف فيحسن معاشرتها وصحبتها وإمّا أن يطلق سراحها للتزوج بمن تشاء بعلّها تسعد بالزواج الثاني { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ } [ النساء : 130 ] .
ولا يحل الله لكم أيها الرجال أن تأخذوا ممّا دفعتم إليهن من المهور شيئاً ، لأنكم قد استمتعتم بهن إلا إذا خفتم سوء العشرة بين الزوجين ، وأرادت الزوجة أن تختلع بالنزول عن مهرها أو بدفع شيء من المال لزوجها حتى يطلّقها فليس هناك جناح من أخذ الفداء .
ثم بيّن تعالى أنه إذا طلّقها الثالثة بعد أن راجعها مرتين ، فلا تحلّ له إلاّ بالزواج بزوج آخر ، بعد أن يذوق عُسيلتها وتذوق عُسيلته ، فإن طلقها الزوج الثاني فلا بأس أن تعود إلى زوجها الأول إن كان ثمة دلائل تدل على الوفاق والتلاق .
ثم أمر تعالى الرجال بالإحسان في معاملة الأزواج وعدم الإضرار بهن ، كما أمر الأولياء بألاّ يمنعوا المرأة من العودة إلى زوجها إذا رغبت في العودة ، لا سيما إذا صلحت الأحوال وظهرت أمارات الندم على الزوجين في استئناف الحياة الفاضلة ، والعيشة الكريمة .
سبب النزول
أولاً : روي أن أهل الجاهلية لم يكن عندهم للطلاق عدد ، وكان يطلّق الرجل امرأته ما شاء من الطلاق ، فإذا كادت تحل راجعها ، فعمد رجلٌ لامرأته على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : لا آويك ولا أدعك تحلّين ، قالت : وكيف؟ قال : أطلقك فإذا دنا مضيُّ عدتك راجعتك ، فشكت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : { الطلاق مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان } الآية .
{ تَعْضُلُوهُنَّ } : العضل : المنع والتضييق ، يقال : أعضل الأمر : إذا ضاقت عليك فيه الحيل ، وداء عُضال أي شديد عسير البرء أعيا الأطباء ، وكل مشكلٍ عند العرب فهو معضل ، ومنه قول الشافعي رضي الله عنه :
إذا المعضلاتُ تصدَّيْنني ... كشفت حقائقها بالنظر
قال الأزهري : « أصل العضل من قولهم : عضلت الناقة إذا نشب ولدها فلم يسهل خروجه ، وعضلت الدجاجة إذا نشب بيضها فلم يخرج » .
والمعنى : فلا تمنعوهن من الزواج بمن أردن من الأزواج بعد انقضاء عدتهن .
{ زكى لَكُمْ } : أي أنمى وأنفع يقال : زكا الزرع إذا نما بكثرة وبركة .
{ وَأَطْهَرُ } : من الطهارة وهي التنزه عن الدنس وعن الذنوب والمعاصي .
المعنى الإجمالي
يقول الله تعالى ما معناه : الأزواج المطلقات اللواتي طلقهن أزواجهن لسبب من الأسباب على هؤلاء انتظار مدة من الزمن هي مدة ( ثلاثة أطهار ) أو ( ثلاث حيَض ) لمعرفة براءة الرحم حتى لا تختلط الأنساب ، وأزواجهن أحق بهنّ في الرجعة من الأجانب إذا لم تنقض عدتهن ، وكان الغرض من هذه الرجعة ( الإصلاح ) لا ( الإضرار ) ولهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن ، مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أمر الله عز وجل ، وللرجال عليهن درجة القوامة ، والإنفاق والإمرة والطاعة .
ثم بين تعالى أن الطلاق الذي تجوز به الرجعة مرتان ، فإن طلقها الثالثة فلا تحل له حتى تتزوج بعده بزوج آخر ، أما إذا لم يكن الطلاق ثلاثاً فله أن يراجعها إلى عصمة نكاحة ، فإما أن يمسكها بالمعروف فيحسن معاشرتها وصحبتها وإمّا أن يطلق سراحها للتزوج بمن تشاء بعلّها تسعد بالزواج الثاني { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ } [ النساء : 130 ] .
ولا يحل الله لكم أيها الرجال أن تأخذوا ممّا دفعتم إليهن من المهور شيئاً ، لأنكم قد استمتعتم بهن إلا إذا خفتم سوء العشرة بين الزوجين ، وأرادت الزوجة أن تختلع بالنزول عن مهرها أو بدفع شيء من المال لزوجها حتى يطلّقها فليس هناك جناح من أخذ الفداء .
ثم بيّن تعالى أنه إذا طلّقها الثالثة بعد أن راجعها مرتين ، فلا تحلّ له إلاّ بالزواج بزوج آخر ، بعد أن يذوق عُسيلتها وتذوق عُسيلته ، فإن طلقها الزوج الثاني فلا بأس أن تعود إلى زوجها الأول إن كان ثمة دلائل تدل على الوفاق والتلاق .
ثم أمر تعالى الرجال بالإحسان في معاملة الأزواج وعدم الإضرار بهن ، كما أمر الأولياء بألاّ يمنعوا المرأة من العودة إلى زوجها إذا رغبت في العودة ، لا سيما إذا صلحت الأحوال وظهرت أمارات الندم على الزوجين في استئناف الحياة الفاضلة ، والعيشة الكريمة .
سبب النزول
أولاً : روي أن أهل الجاهلية لم يكن عندهم للطلاق عدد ، وكان يطلّق الرجل امرأته ما شاء من الطلاق ، فإذا كادت تحل راجعها ، فعمد رجلٌ لامرأته على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : لا آويك ولا أدعك تحلّين ، قالت : وكيف؟ قال : أطلقك فإذا دنا مضيُّ عدتك راجعتك ، فشكت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : { الطلاق مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان } الآية .
(1/139)
ثانياً : وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : كان الرجل يطلّق امرأته ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها ثم يطلقها ، يفعل بها ذلك يضارّها ويعضلها فأنزل الله تعالى : { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء . . . } الآية .
ثالثاً : وأخرج البخاري والترمذي عن ( مَعْقل بن يسار ) رضي الله عنه أنه زوّج أخته رجلاً من المسلمين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكانت عنده ما كانت ثم طلّقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العدة ، فهويها وهويته ثم خطبها مع الخُطَّاب فقال له : يا لكع أكرمتك بها وزوّجتك فلطّقتها! والله لا ترجع إليك أبداً قال : فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها فأنزل الله { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ . . . } الآية فلما سمعها ( معقل ) قال : سمعاً لربي وطاعة ثم دعاه فقال : أزوّجك وأكرمك .
وجوه القراءات
1 - قرأ الجمهور { ثَلاَثَةَ قرواء } بالهمزة وقرأ نافع ( ثلاثة قرُوّ ) بكسر الواو وشدها من غير همز ، وقرأ الحسن ( قَرء ) بفتح القاف وسكون الراء .
2 - قرأ الجمهور { إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله } وقرأ حمزة ( إلا أن يُخافا ) بضم الياء مبنياً للمجهول ، وقرئ يظنّا .
3 - قرأ الجمهور { وَتِلْكَ حُدُودُ الله يُبَيِّنُهَا } بالياء أي يبينها الله ، وقرأ عاصم ( نبينها ) بالنون وهي نون التعظيم .
وجوه الإعراب
1 - قوله تعالى : { والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ } المطلقات مبتدأ والجملة الفعلية خبر ، و { ثَلاَثَةَ قرواء } منصوب على الظرفية ، والمفعول به محذوف أي يتربصن الزوج .
2 - قوله تعالى : { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ } أن وما بعدها في تأويل مصدر فاعل ل ( يحل ) والتقدير : لا يحل لهن كتمان ، و ( ما ) اسم موصول بمعنى الذي مفعول ل ( يكتمن ) .
3 - قوله تعالى : { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } للرجال خبر مقدم و ( درجة ) مبتدأ مؤخر ، وجاز الابتداء بالنكرة لتقدم الجار والمجرور عليها .
4 - قوله تعالى : { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ } ضراراً مفعول لأجله أي من أجل الضرار ، وجوّز بعضهم أن يكون منصوباً على الحال أي ( مضارين ) و ( لتعتدوا ) متعلق ب ( ضراراً ) .
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : قوله تعالى : { والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ } خبرٌ والمراد منه الأمر أي ( ليتربّصْن ) وفائدته التنبيه إلى أنه ممّا ينبغي أن يتلّقى بالقبول والمسارعة إلى الإتيان به .
قال صاحب « الكشاف » : « التعبير عن الأمر بصيغة الخبر يفيد تأكيد الأمر ، إشعاراً بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله ، فكأنهن امتثلن الأمر فهو يخبر عنه موجوداً ، ونظيره قولهم في الدعاء : رحمك الله ، أخرج في صورة الخبر ثقة بالإجابة ، كأنها وجدت الرحمة فهو يخبر عنها » .
ثالثاً : وأخرج البخاري والترمذي عن ( مَعْقل بن يسار ) رضي الله عنه أنه زوّج أخته رجلاً من المسلمين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكانت عنده ما كانت ثم طلّقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العدة ، فهويها وهويته ثم خطبها مع الخُطَّاب فقال له : يا لكع أكرمتك بها وزوّجتك فلطّقتها! والله لا ترجع إليك أبداً قال : فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها فأنزل الله { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ . . . } الآية فلما سمعها ( معقل ) قال : سمعاً لربي وطاعة ثم دعاه فقال : أزوّجك وأكرمك .
وجوه القراءات
1 - قرأ الجمهور { ثَلاَثَةَ قرواء } بالهمزة وقرأ نافع ( ثلاثة قرُوّ ) بكسر الواو وشدها من غير همز ، وقرأ الحسن ( قَرء ) بفتح القاف وسكون الراء .
2 - قرأ الجمهور { إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله } وقرأ حمزة ( إلا أن يُخافا ) بضم الياء مبنياً للمجهول ، وقرئ يظنّا .
3 - قرأ الجمهور { وَتِلْكَ حُدُودُ الله يُبَيِّنُهَا } بالياء أي يبينها الله ، وقرأ عاصم ( نبينها ) بالنون وهي نون التعظيم .
وجوه الإعراب
1 - قوله تعالى : { والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ } المطلقات مبتدأ والجملة الفعلية خبر ، و { ثَلاَثَةَ قرواء } منصوب على الظرفية ، والمفعول به محذوف أي يتربصن الزوج .
2 - قوله تعالى : { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ } أن وما بعدها في تأويل مصدر فاعل ل ( يحل ) والتقدير : لا يحل لهن كتمان ، و ( ما ) اسم موصول بمعنى الذي مفعول ل ( يكتمن ) .
3 - قوله تعالى : { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } للرجال خبر مقدم و ( درجة ) مبتدأ مؤخر ، وجاز الابتداء بالنكرة لتقدم الجار والمجرور عليها .
4 - قوله تعالى : { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ } ضراراً مفعول لأجله أي من أجل الضرار ، وجوّز بعضهم أن يكون منصوباً على الحال أي ( مضارين ) و ( لتعتدوا ) متعلق ب ( ضراراً ) .
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : قوله تعالى : { والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ } خبرٌ والمراد منه الأمر أي ( ليتربّصْن ) وفائدته التنبيه إلى أنه ممّا ينبغي أن يتلّقى بالقبول والمسارعة إلى الإتيان به .
قال صاحب « الكشاف » : « التعبير عن الأمر بصيغة الخبر يفيد تأكيد الأمر ، إشعاراً بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله ، فكأنهن امتثلن الأمر فهو يخبر عنه موجوداً ، ونظيره قولهم في الدعاء : رحمك الله ، أخرج في صورة الخبر ثقة بالإجابة ، كأنها وجدت الرحمة فهو يخبر عنها » .
(1/140)
0 Response to "2 الكتاب : آيات الأحكام 001"
Posting Komentar